من الأنباء من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة، وما وصف من عذاب الكفار "مزدجر" ازدجار أو موضع ازدجار. والمعنى: هو في نفسه موضع [ ص: 655 ] الازدجار ومظنة له، كقوله تعالى: لكم في رسول الله أسوة حسنة [الأحزاب: 21] أي: هو أسوة. وقرئ: (مزجر) بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاي فيها حكمة بالغة بدل من ماء، أو على: هو حكمة. وقرئ بالنصب حالا من ما. فإن قلت: إن كانت "ما" موصولة ساغ لك أن تنصب "حكمة" حالا، فكيف تعمل إن كانت موصوفة؟ وهو الظاهر. قلت: تخصصها الصفة، فيحسن نصب الحال عنها فما تغن النذر نفى أو إنكار. و "ما" منصوبة، أي: فأي غناء تغني النذر فتول عنهم لعلمك أن الإنذار لا يغني فيهم. نصب يوم يدع الداع بيخرجون، أو بإضمار اذكر. وقرئ: بإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة عنها، والداعي إسرافيل أو جبريل، كقوله تعالى: يوم يناد المناد [ق: 41] إلى شيء نكر منكر فظيع تنكره النفوس; لأنها لم تعهد بمثله وهو هول يوم القيامة. وقرئ: (نكر) بالتخفيف; ونكر بمعنى أنكر خشعا أبصارهم حال من الخارجين فعل للأبصار وذكر، كما تقول: يخشع أبصارهم. وقرئ: (خاشعة) على: تخشع أبصارهم. و (خشعا) على: يخشعن أبصارهم، وهي لغة من يقول: أكلوني البراغيث، وهم طيء. ويجوز أن يكون في "خشعا" ضميرهم، وتقع "أبصارهم" بدلا عنه. وقرئ: (خشع أبصارهم)، على الابتداء والخبر، ومحل الجملة النصب على الحال. كقوله [من البسيط]:
وجدته حاضراه الجود والكرم
وخشوع الأبصار: كناية عن الذلة والانخزال; لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما. وقرئ: (يخرجون من الأجداث) من القبور كأنهم جراد منتشر الجراد مثل في الكثرة والتموج. يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض: جاءوا كالجراد، وكالدبا منتشر في كل مكان لكثرته مهطعين إلى الداع مسرعين مادي أعناقهم إليه. وقيل: ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم. قال [من الطويل]:
تعبدني نمر بن سعد وقد أرى ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع