وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في [ ص: 510 ] الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين
صرفنا إليك نفرا أملناهم إليك وأقبلنا بهم نحوك. وقرئ: (صرفنا) بالتشديد; لأنهم جماعة. والنفر: دون العشرة. ويجمع أنفارا. وفى حديث رضي الله عنه: لو كان ههنا أحد من أنفارنا أبي ذر فلما حضروه الضمير للقرآن. أي: فلما كان بمسمع منهم. أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وتعضده قراءة من قرأ: (فلما قضى) أي أتم قراءته وفرع منها "قالوا" قال بعضهم لبعض "أنصتوا" اسكتوا مستمعين. يقال: أنصت لكذا واستنصت له. روى: أن الجن كانت تسترق السمع، فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا: ما هذا إلا لنبإ حدث، فنهض سبعة نفر أو تسعة من أشراف جن نصيبين أو نينوى: منهم زوبعة، فضربوا حتى بلغوا تهامة، ثم اندفعوا إلى وادي نخلة، فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلي أو في صلاة الفجر، فاستمعوا لقراءته، وذلك عند منصرفه من الطائف حين خرج إليهم يستنصرهم فلم يجيبوه إلى طلبته وأغروا به سفهاء ثقيف. وعن [ ص: 511 ] رضي الله عنه: سعيد بن جبير وقيل: بل ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، وإنما كان يتلو في صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر، فأنبأه الله باستماعهم. رضي الله عنه، قال: لم يحضره ليلة الجن أحد غيري، فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى عبد الله بن مسعود مكة في شعب الحجون فخط لي خطا وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك، ثم افتتح القرآن وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت شيئا؟ قلت: نعم رجال سود مستثفري ثياب بيض، فقال: "أولئك جن نصيبين"، وكانوا اثني عشر ألفا، والسورة التي قرأها عليهم: اقرأ باسم ربك [العلق: 1]. [ ص: 512 ] فإن قلت: كيف قالوا: أمر الله رسوله أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرا منهم جمعهم له فقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني: قالها ثلاثا، فأطرقوا إلا من بعد موسى ؟ قلت: عن رضي الله عنه: أنهم كانوا على اليهودية. وعن عطاء رضي الله عنهما: إن الجن لم تكن سمعت بأمر ابن عباس عيسى عليه السلام، فلذلك قالت من بعد موسى . فإن قلت: لم بعض في قوله: من ذنوبكم ؟ قلت: لأن من الذنوب ما لا يغفر بالإيمان كذنوب المظالم ونحوها. ونحوه قوله عز وجل: أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم [نوح: 3- 4]. فإن قلت: هل للجن ثواب كما للإنس؟ قلت: اختلف فيه فقيل: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار; لقوله تعالى: ويجركم من عذاب أليم وإليه كان يذهب رحمه الله. والصحيح أنهم في حكم بني أبو حنيفة آدم; لأنهم مكلفون مثلهم فليس بمعجز في الأرض أي: لا ينجي منه مهرب، ولا يسبق قضاءه سابق. ونحوه قوله تعالى: وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا [الجن: 12].