إلا صيحة واحدة قرئت منصوبة ومرفوعة ( فاليوم لا تظلم نفس شيئا . . . . . . . إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ) حكاية ما يقال لهم في ذلك اليوم ، وفى مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود ، وتمكين له في النفوس ، وترغيب في الحرص عليه وعلى ما يثمره في شغل في أي شغل وفى شغل لا يوصف ، وما ظنك بشغل من سعد بدخول الجنة التي هي دار المتقين ، ووصل إلى نيل تلك الغبطة وذلك الملك الكبير والنعيم المقيم ، ووقع في تلك ، ثوابا لهم على أعمالهم مع كرامة وتعظيم ، وذلك بعد الوله والصبابة ، والتفضي من مشاق التكليف ومضايق التقوى والخشية ، وتخطي الأهوال ، وتجاوز الأخطار وجواز الصراط . ومعاينة ما لقي العصاة من العذاب ، وعن الملاذ التي أعدها الله للمرتضين من عباده : في افتضاض الأبكار . وعنه : في ضرب الأوتار . وعن ابن عباس : في التزاور . وقيل : في ضيافة الله . وعن ابن كيسان : شغلهم عما فيه أهل النار التنعم بما هم فيه . وعن الحسن : هم شغل عن أهاليهم من أهل [ ص: 184 ] النار ، لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم ، لئلا يدخل عليهم تنغيص في نعيمهم . قرئ : (فى شغل ) بضمتين وضمة وسكون ، وفتحتين ، وفتحة وسكون . والفاكه والفكه : المتنعم والمتلذذ : ومنه الفاكهة ; لأنها مما يتلذذ به ، وكذلك الفكاهة ، وهي المزاحة . وقرئ : (فاكهون ) و (فكهون ) ، بكسر الكاف وضمها ، وكقولهم : رجل حدث وحدث ، ونطس ونطس . وقرئ : (فاكهين ) و (فكهين ) ، على أنه حال والظرف مستقر . "هم " يحتمل أن يكون مبتدأ وأن يكون تأكيدا للضمير في الكلبي في شغل وفى "فاكهون " على أن أزواجهم يشاركنهم في ذلك الشغل والتفكه والاتكاء على الأرائك تحت الظلال . وقرئ : (فى ظلل ) ، والأريكة : السرير في الحجلة . وقيل : الفراش فيها . وقرأ : (متكين ) "يدعون " يفتعلون من الدعاء ، أي : يدعون به لأنفسهم ، كقولك : اشتوى واجتمل ، إذا شوى وجمل لنفسه . قال ابن مسعود لبيد [من الرمل ] :
فاشتوى ليلة ريح واجتمل
ويجوز أن يكون بمعنى يتداعونه ، كقولك : ارتموه ، وتراموه . وقيل : يتمنون ، من قولهم : ادع علي ما شئت ، بمعنى تمنه علي ، وفلان في خير ما ادعى ، أي : في خير ما تمنى . قال : وهو من الدعاء ، أي : ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم . و "سلام " بدل مما يدعون ، كأنه قال لهم : سلام يقال لهم الزجاج قولا من جهة رب رحيم ، والمعنى : أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة ، أو بغير واسطة ، مبالغة في تعظيمهم وذلك متمناهم ، ولهم ذلك لا يمنعونه . قال : فالملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين . وقيل : ابن عباس ما يدعون ، مبتدأ وخبره "سلام " ، بمعنى : ولهم ما يدعون سالم [ ص: 185 ] خالص لا شوب فيه . و "قولا " مصدر مؤكد لقوله تعالى : ولهم ما يدعون سلام أي : عدة من رب رحيم . والأوجه : أن ينتصب على الاختصاص ، وهو من مجازه . وقرئ : (سلم ) وهو بمعنى السلام في المعنيين . وعن : "سلاما " نصب على الحال ، أي : لهم مرادهم خالصا . ابن مسعود