"ألوانها " أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر أو هيئاتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها . والجدد : الخطط والطرائق . قال لبيد [من الكامل ] :
أو مذهب جدد على ألواحه
ويقال : جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره ، وقد يكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه "وغرابيب " معطوف على بيض أو على جدد ، كأنه قيل : ومن الجبال مخطط ذو جدد ، ومنها ما هو على لون واحد غرابيب . وعن -رضي الله عنه - : هي الجبال الطوال السود . فإن قلت : الغربيب تأكيد للأسود . يقال : أسود غربيب ، وأسود حلكوك : وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه . ومنه الغراب . ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك : أصفر فاقع ، وأبيض يقق وما أشبه ذلك . قلت : وجهه أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيرا لما أضمر ، كقول عكرمة [من البسيط ] : النابغة
والمؤمن العائذات الطير
[ ص: 153 ] وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد ، حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعا ، ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله تعالى : ومن الجبال جدد بمعنى : ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود ، حتى يؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال : ثمرات مختلفا ألوانها ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه يعني : ومنهم بعض مختلف ألوانه . وقرئ : (ألوانها ) ، وقرأ : (جدد ) بالضم جمع جديدة ، وهي الجدة ، يقال : جديدة وجدد وجدائد ، كسفينة وسفن وسفائن . وقد فسر بها قول الزهري أبي ذؤيب يصف حمار وحش [من الكامل ] :
جون السراة له جدائد أربع
وروي عنه : جدد بفتحتين ، وهو الطريق الواضح المسفر وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض . وقرئ : (والدواب ) مخففا ونظير هذا [ ص: 154 ] التخفيف قراءة من قرأ : (ولا الضألين ) [الفاتحة :7 ] ; لأن كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين ، فحرك ذاك أولهما ، وحذف هذا آخرهما . وقوله : "كذلك " أي كاختلاف الثمرات والجبال . والمراد : العلماء به الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، فعظموه وقدروه حق قدره ، وخشوه حق خشيته ، ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا ، ومن كان علمه به أقل كان آمن . وفى الحديث : . وعن "أعلمكم بالله أشدكم له خشية " : كفى بالمرء علما أن يخشى ، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه . وقال رجل مسروق : أفتني أيها العالم ، فقال : العالم من خشي الله . وقيل : نزلت في للشعبي -رضي الله عنه - وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه . فإن قلت : هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول في هذا الكلام أو أخر ؟ قلت : لا بد من ذلك ، فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى : أن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم ، وإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله ، كقوله تعالى : أبي بكر الصديق ولا يخشون أحدا إلا الله [الأحزاب : 39 ] وهما معنيان مختلفان . فإن قلت : ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله ؟ قلت : لما قال : "ألم تر " بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء ، وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته ، أتبع ذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء كأنه قال : إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك : ممن عرفه حق معرفته وعلمه كنه علمه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : . فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ : (إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وهو "أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم به " ويحكى عن عمر بن عبد العزيز ؟ قلت : الخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى : إنما يجلهم ويعظمهم ، كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس ومن بين جميع عباده أبي حنيفة إن الله عزيز غفور تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على عقوبة العصاة ، وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم ، والمعاقب المثيب : حقه أن يخشى .