النكاح : الوطء ، وتسمية العقد نكاحا لملابسته له ، من حيث أنه طريق إليه . ونظيره تسميتهم الخمر إثما ; لأنها سبب في اقتراف الإثم ، ونحوه في علم البيان قول الراجز [من الرجز ] :
أسنمة الآبال في سحابه
[ ص: 80 ] سمى الماء بأسنمة الآبال ; لأنه سبب سمن المال وارتفاع أسنمته ، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد ; لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به . ومن آداب القرآن : الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان . فإن قلت : لم خص المؤمنات والحكم الذي نطقت به الآية تستوي فيه المؤمنات والكتابيات ؟ قلت : في اختصامهن تنبيه على أن أصل أمر المؤمن والأولى به أن يتخير لنطفته ، وأن لا ينكح إلا مؤمنة عفيفة ، ويتنزه عن مزاوجة الفواسق فما بال الكوافر ، ويستنكف أن يدخل تحت لحاف واحدة عدوة الله ووليه ، فالتي في سورة المائدة : تعليم ما هو جائز غير محرم ، من نكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب وهذه فيها تعليم ما هو الأولى بالمؤمنين من نكاح المؤمنات . فإن قلت : ما فائدة ثم في قوله : ثم طلقتموهن ؟ قلت : فائدته نفى التوهم عمن عسى يتوهم تفاوت الحكم بين أن يطلقها وهي قريبة العهد من النكاح ، وبين أن يبعد عهدها بالنكاح ويتراخى بها المدة في حبالة الزواج ثم يطلقها . فإن قلت : إذا خلا بها خلوة يمكنه معها المساس ، هل يقوم ذلك مقام المساس ؟ قلت : نعم . عند وأصحابه أبي حنيفة ، وقوله : حكم الخلوة الصحيحة حكم المساس فما لكم عليهن من عدة دليل على أن "تعتدونها " تستوفون عددها ، من قولك : عددت الدراهم فاعتدها ، كقولك : كلته فاكتاله ، ووزنته فاتزنه . وقرئ : (تعتدونها ) مخففا ; أي : تعتدون فيها ، كقوله [من الطويل ] : العدة حق واجب على النساء للرجال
ويوم شهدناه
والمراد بالاعتداد ما في قوله تعالى : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا [البقرة : 231 ] . فإن قلت : ما هذا التمتيع أواجب أو مندوب إليه ؟ قلت : إن كانت غير مفروض كانت [ ص: 81 ] المتعة واجبة ، ولا تجب المتعة عند إلا لها وحدها دون سائر المطلقات ، وإن كانت مفروضا لها ; فالمتعة مختلف فيها فبعض على الندب والاستحباب ، ومنهم أبي حنيفة . وبعض على الوجوب أبو حنيفة سراحا جميلا من غير ضرار ولا منع واجب .