الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
خاتمة

القضية التي عالجناها في هـذا البحث، هـي أن التدين بمعنى تحمل الدين إيمانا قلبيا بحقائقه، وتكيفا عمليا بها في السلوك الفردي والاجتماعي، يحتاج لكي يتم على الوجه المطلوب، الذي يحقق غرض الدين، إلى فقه بمعنى منهجي، به يتم التحمل الإيماني، وبه يتم التطبيق الواقعي، وهذا الفقه يختلف في طبيعته وخصائصه عن الفقه الذي به يكون التمثل المعرفي المجرد لحقائق الدين من مصادرها.

وقد بينا أن فقه التدين يحتاج إليه المسلم في مراحل ثلاث، يفضي بعضها إلى بعض، لتنتهي بتكييف الحياة في مسالكها كلها بالأحكام الدينية، وتلك هـي غاية الدين في تحقيق صالح الإنسان وخيره، وهذه المراحل الثلاث هـي: فهم الدين من أجل تطبيقه، وصياغة أحكام الدين بما يلائم مشخصات الواقع الزمانية والمكانية، والإجراء الفعلي لأحكام الدين في واقع الحياة.

ففي المرحلة الأولى بينا أن فهم الدين فهما يهدف إلى الالتزام به إيمانا وعملا، يحتاج إلى فقه ينبني على الوقوف أولا على مصدر [ ص: 155 ] الدين (وهو نصوص الوحي ) في طبيعته وخصائصة وطرائقة في الهدي، وتمييزه مما قد يلتبس به، وينبني أيضا على آداب وضوابط في فهم الأحكام من مصدرها، منها ما يرجع إلى ضوابط وأحكام تتعلق بالنص نفسه، ومنها ما يتعلق بالعقل في طرائق الفهم، ومنها ما يتعلق بدور الواقع في ذلك الفهم، وينبني أخيرا على آداب وضوابط في فهم الواقع الإنساني، الذي يراد تنزيل الدين عليه، وتطبيقه فيه.

وفي المرحلة الثانية، بينا أن صياغة أحكام الدين، لتصبح خطة للإصلاح، ومراعية لمقتضيات الزمان والمكان، يحتاج إلى فقه في صياغة العقيدة، يقوم على قواعد تضمن الاقتناع بها، كما تضمن صيرورتها مرجعية إيديولوجية في كل تفكير وسلوك، وهي قواعد تشتق من الطبيعة المتغيرة للعقول، في طرق الاقتناع بتغير الأنماط الثقافية السائدة، كما تحتاج إلى فقه في صياغة الشريعة، يقوم على قواعد من الواقعية والتكامل، واعتبار المقاصد في نظم الأحكام الشرعية في خطة الإصلاح.

وفي المرحلة الثالثة، بينا أن إنجاز الأحكام الشرعية في الواقع العياني للحياة، يحتاج إلى فقه يقوم على توفير شروط ضرورية، لا يتم بدونها إنجاز ناجح، ومن أهمها الوعي والاقتناع بالشريعة [ ص: 156 ] أساسا، والتأطر الاجتماعي، الذي من خلاله يتم الإنجاز، كما يقوم على آداب إنجازية، تعتمد المرحلية والتدرج، والتأجيل والاستثناء، وجماعية الإنجاز، وهي آداب يفضي إهمالها والتغاضي عنها إلى تعثر شديد، واضطراب مخل، في إنجاز أحكام الدين في الواقع، مهما كان الفهم سديدا والصياغة محكمة.

وقد رأينا أن هـذا الفقه الضروري للتدين يحتاج إلى بحث وإثراء وإنضاج من قبل المفكرين المهتمين بتنزيل الدين في حياة المسلمين، في سبيل ترشيد الصحوة الإسلامية، وتسديد خطاها، وأن ما عرضناه في هـذا البحث لا يعدو أن يكون دعوة للنظر من قبل ذوي الكفاءة في هـذا المجال. [ ص: 157 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية