( 2148 ) فصل : وإن لم تلزمه ، فإن شرع فيها فله إتمامها ، وله الخروج منها متى شاء . وبهذا قال نوى اعتكاف مدة . وقال الشافعي : تلزمه بالنية مع الدخول فيه ، فإن قطعه لزمه قضاؤه . وقال مالك : لا يختلف في ذلك الفقهاء ، ويلزمه القضاء عند جميع العلماء . وقال : وإن لم يدخل فيه فالقضاء مستحب . ابن عبد البر
ومن العلماء من أوجبه وإن لم يدخل فيه ، واحتج بما روي عن رضي الله عنها ، { عائشة ، فأذن لها ، فأمرت ببنائها فضرب ، وسألت عائشة حفصة أن تستأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت ، فأمرت ببنائها فضرب ، فلما رأت ذلك أمرت ببنائها فضرب ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح دخل معتكفه ، فلما صلى الصبح انصرف ، فبصر بالأبنية ، فقال : ما هذا ؟ ، فقالوا : بناء زينب بنت جحش ، عائشة وحفصة ، وزينب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البر أردتن ، ما أنا بمعتكف فرجع . فلما [ ص: 64 ] أفطر اعتكف عشرا من شوال } . متفق على معناه . أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته
ولأنها عبادة تتعلق بالمسجد ، فلزمت بالدخول فيها ، كالحج . ولم يصنع شيئا ، وهذا ليس بإجماع ، ولا نعرف هذا القول عن أحد سواه ، وقد قال ابن عبد البر : كل عمل لك أن لا تدخل فيه ، فإذا دخلت فيه فخرجت منه ، فليس عليك أن تقضي ، إلا الحج والعمرة . ولم يقع الإجماع على لزوم نافلة بالشروع فيها سوى الحج والعمرة . الشافعي
وإذا كانت العبادات التي لها أصل في الوجوب لا تلزم بالشروع ، فما ليس له أصل في الوجوب أولى ، وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر ، وشرع في الصدقة به ، فأخرج بعضه ، لم تلزمه الصدقة بباقيه ، وهو نظير الاعتكاف ; لأنه غير مقدر بالشرع ، فأشبه الصدقة .
وما ذكره حجة عليه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ، ولو كان واجبا لما تركه ، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له ، ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ، ولا أمرن بالقضاء ، وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم له لم يكن واجبا عليه ، وإنما فعله تطوعا ; لأنه كان إذا عمل عملا أثبته ، وكان فعله لقضائه كفعله لأدائه ، على سبيل التطوع به ، لا على سبيل الإيجاب ، كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر ، فتركه له دليل على عدم الوجوب ، لتحريم ترك الواجب ، وفعله للقضاء لا يدل على الوجوب ; لأن قضاء السنن مشروع .
فإن قيل : إنما جاز تركه ، ولم يؤمر تاركه من النساء بقضائه ، لتركهن إياه قبل الشروع . قلنا : فقد سقط الاحتجاج ; لاتفاقنا على أنه لا يلزم قبل شروعه فيه ، فلم يكن القضاء دليلا على الوجوب ، مع الاتفاق على انتفائه . ولا يصح قياسه على الحج والعمرة ; لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظيمة ، ومشقة شديدة ، وإنفاق مال كثير ، ففي إبطالهما تضييع لماله ، وإبطال لأعماله الكثيرة ، وقد نهينا عن إضاعة المال ، وإبطال الأعمال ، وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع ، ولا عمل يبطل ، فإن ما مضى من اعتكافه ، لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل ، ولأن النسك يتعلق بالمسجد الحرام على الخصوص ، والاعتكاف بخلافه .