ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به ، وتصديقه فيما أخبر به ، وطاعته فيما أمر ، فإنه ، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم ، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به ، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال ، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال ، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه والعين إلى نورها والروح إلى حياتها ، [ ص: 69 ] فأي ضرورة وحاجة فرضت ، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير . وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك ، وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة ، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال بل أعظم ، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي و لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل
ما لجرح بميت إيلام
وإذا كانت فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه ، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم
فصل
وهذه كلمات يسيرة لا يستغني عن معرفتها من له أدنى همة إلى معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وهديه ، اقتضاها الخاطر المكدود على عجره وبجره ، مع البضاعة المزجاة التي لا تنفتح لها أبواب السدد ، ولا يتنافس فيها المتنافسون مع تعليقها في حال السفر لا الإقامة ، والقلب بكل واد منه شعبة ، والهمة قد تفرقت [ ص: 70 ] شذر مذر ، والكتاب مفقود ، ومن يفتح باب العلم لمذاكرته معدوم غير موجود ، فعود العلم النافع الكفيل بالسعادة قد أصبح ذاويا ، وربعه قد أوحش من أهله وعاد منهم خاليا ، فلسان العالم قد ملئ بالغلول مضاربة لغلبة الجاهلين ، وعادت موارد شفائه وهي معاطبه لكثرة المنحرفين والمحرفين ، فليس له معول إلا على الصبر الجميل ، وما له ناصر ولا معين إلا الله وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل .