الحكم الخامس : حلوان الكاهن . قال : لا خلاف في [ ص: 697 ] أبو عمر بن عبد البر أنه ما يعطاه على كهانته ، وهو من أكل المال بالباطل ، والحلوان في أصل اللغة : العطية . قال حلوان الكاهن علقمة :
فمن رجل أحلوه رحلي وناقتي يبلغ عني الشعر إذ مات قائله
انتهى .وتحريم حلوان الكاهن تنبيه على تحريم حلوان المنجم ، والزاجر ، وصاحب القرعة التي هي شقيقة الأزلام ، وضاربة الحصا ، والعراف ، والرمال ونحوهم ممن تطلب منهم الأخبار عن المغيبات ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ، وأخبر أن ( إتيان الكهان من أتى عرافا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم ) ولا ريب أن الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما يجيء به هؤلاء ، لا يجتمعان في قلب واحد ، وإن كان أحدهم قد يصدق أحيانا ، فصدقه بالنسبة إلى كذبه قليل من كثير ، وشيطانه الذي يأتيه بالأخبار لا بد له أن يصدقه أحيانا ليغوي به الناس ، ويفتنهم به .
وأكثر الناس مستجيبون لهؤلاء مؤمنون بهم ولا سيما ضعفاء العقول ، كالسفهاء والجهال والنساء ، وأهل البوادي ، ومن لا علم لهم بحقائق الإيمان ، فهؤلاء هم المفتونون بهم ، وكثير منهم يحسن الظن بأحدهم ، ولو كان مشركا كافرا بالله مجاهرا بذلك ، ويزوره ، وينذر له ، ويلتمس دعاءه . فقد رأينا وسمعنا من ذلك كثيرا ؛ وسبب هذا كله خفاء ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق على هؤلاء وأمثالهم ، ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) وقد قال الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء يحدثوننا أحيانا بالأمر ، فيكون كما [ ص: 698 ] قالوا ، فأخبرهم : أن ذلك من جهة الشياطين ، يلقون إليهم الكلمة تكون حقا ، فيزيدون هم معها مائة كذبة فيصدقون من أجل تلك الكلمة .