فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع
، وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى ، ولا يستقله ، وكان لا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه ، قليلا كان أو كثيرا ، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر ، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه ، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه ، وكان أجود الناس بالخير ، يمينه كالريح المرسلة . كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده
وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه ، تارة بطعامه ، وتارة بلباسه .
وكان ينوع في أصناف عطائه وصدقته ، فتارة بالهبة ، وتارة بالصدقة ، وتارة بالهدية ، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعا ، كما فعل ببعير [ ص: 22 ] جابر .
وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر ، ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه ، أو بأضعافها ، تلطفا وتنوعا في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن ، وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله ، فيخرج ما عنده ، ويأمر بالصدقة ، ويحض عليها ، ويدعو إليها بحاله وقوله ، فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء ، وكان من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى . ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها
وكان هديه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدرا ، وأطيبهم نفسا ، وأنعمهم قلبا ، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في شرح الصدر ، وانضاف ذلك إلى ما خصه الله به من شرح صدره بالنبوة والرسالة وخصائصها وتوابعها ، وشرح صدره حسا وإخراج حظ الشيطان منه .