فصل في قضائه صلى الله عليه وسلم في الصداق بما قل وكثر ، وقضائه بصحة النكاح على ما مع الزوج من القرآن
ثبت في " صحيح " : عن مسلم رضي الله عنها : ( عائشة ثنتي عشرة أوقية ونشا ، فذلك خمسمائة صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه ) . كان
وقال عمر رضي الله عنه : ( ) . قال ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية حديث حسن صحيح . انتهى . الترمذي
والأوقية أربعون درهما .
وفي " صحيح " : من حديث البخاري سهل بن سعد تزوج ولو بخاتم من حديد ) . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : (
وفي " سنن أبي داود " : من حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ) . من أعطى في صداق ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل
[ ص: 161 ] وفي : ( الترمذي بني فزارة تزوجت على نعلين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" رضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم . فأجازه ) . قال أن امرأة من : حديث حسن صحيح . الترمذي
وفي " مسند " : من حديث الإمام أحمد رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( عائشة ) . إن أعظم النكاح بركة أيسره مئونة
وفي " الصحيحين " : ( قد زوجتكها بما معك من القرآن ) . أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت طويلا ، فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ قال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا " قال : لا أجد شيئا ، قال : " فالتمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل معك شيء من القرآن ؟ قال : نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
[ ص: 162 ] وفي ( النسائي أبا طلحة خطب ، فقالت : والله يا أم سليم أبا طلحة ما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ، ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تسلم فذاك مهري وما أسالك غيره . فأسلم فكان ذلك مهرها . قال ثابت فما سمعنا بامرأة قط كانت أكرم مهرا من فدخل بها فولدت له أم سليم ) . أن
فتضمن هذا الحديث أن ، وأن قبضة السويق وخاتم الحديد والنعلين يصح تسميتها مهرا وتحل بها الزوجة . الصداق لا يتقدر أقله
وتضمن أن مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره . المغالاة في المهر
وتضمن أن أو بعضه من مهرها جاز ذلك ، وكان ما يحصل لها من انتفاعها بالقرآن والعلم هو صداقها ، كما إذا جعل السيد عتقها صداقها ، وكان انتفاعها بحريتها وملكها لرقبتها هو صداقها ، وهذا هو الذي اختارته المرأة إذا رضيت بعلم الزوج وحفظه للقرآن من انتفاعها بإسلام أم سليم أبي طلحة ، وبذلها نفسها له إن أسلم ، وهذا أحب إليها من المال الذي يبذله الزوج .
فإن الصداق شرع في الأصل حقا للمرأة تنتفع به ، فإذا رضيت بالعلم والدين وإسلام الزوج وقراءته للقرآن كان هذا من أفضل المهور وأنفعها وأجلها ، فما خلا العقد عن مهر وأين الحكم بتقدير المهر بثلاثة دراهم أو عشرة من النص ؟ .
والقياس إلى الحكم بصحة كون المهر ما ذكرنا نصا وقياسا وليس هذا مستويا بين هذه المرأة وبين الموهوبة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وهي خالصة له من دون المؤمنين ، فإن تلك وهبت نفسها هبة مجردة عن ولي وصداق ، بخلاف ما نحن فيه فإنه نكاح بولي وصداق ، وإن كان غير مالي ، فإن المرأة جعلته عوضا عن المال لما يرجع إليها من نفعه ، ولم تهب نفسها للزوج هبة مجردة كهبة شيء من مالها بخلاف [ ص: 163 ] الموهوبة التي خص الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، هذا مقتضى هذه الأحاديث .
وقد خالف في بعضه من قال : لا يكون الصداق إلا مالا ولا تكون منافع أخرى ، ولا علمه ولا تعليمه صداقا كقول أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه .
ومن قال : لا يكون أقل من ثلاثة دراهم كمالك وعشرة دراهم ، وفيه أقوال أخر شاذة لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب . كأبي حنيفة
ومن ادعى في هذه الأحاديث التي ذكرناها اختصاصها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، أو أنها منسوخة أو أن عمل أهل المدينة على خلافها فدعوى لا يقوم عليها دليل . والأصل يردها ، وقد زوج سيد أهل المدينة من التابعين ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد ، بل عد ذلك في مناقبه وفضائله ، وقد تزوج سعيد بن المسيب على صداق خمسة دراهم ، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشرع . عبد الرحمن بن عوف