الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 52 ] المسألة الخامسة

          اختلفوا في إطلاق الاسم على مسماه المجازي : هل يفتقر في كل صورة إلى كونه منقولا عن العرب ، أو يكفي فيه ظهور العلاقة المعتبرة في التجوز كما عرفناه أولا .

          [1] فمنهم من شرط في ذلك النقل مع العلاقة ، ومنهم من اكتفى بالعلاقة لا غير .

          احتج الشارطون للنقل بأنه لو اكتفى بالعلاقة لجاز تسمية غير الإنسان نخلة لمشابهته لها في الطول كما جاز في الإنسان ، ولجاز تسمية الصيد شبكة ، والثمرة شجرة ، وظل الحائط حائطا ، والابن أبا تعبيرا عن هذه الأشياء بأسماء أسبابها لما بينها وبين أسبابها من الملازمة في الغالب ، وهي من الجهات المصححة للتجوز ، وليس كذلك ، فدل على أنه لا بد من نقل الاستعمال .

          ولقائل أن يقول : ما المانع أن يكون تحقق العلاقة بين محل الحقيقة ومحل التجوز كافيا في جواز إطلاق الاسم على جهة المجاز ، وحيث وجدت العلاقة المجوزة للإطلاق في بعض الصور وامتنع الإطلاق ، فإنما كان لوجود المنع من قبل أهل اللغة لا للتوقف على نقل استعمالهم للاسم فيها على الخصوص .

          فإن قيل : لو لم يكن نقل استعمال أهل اللغة معتبرا في محل التجوز فتسميته [2] باسم الحقيقة إما بالقياس عليه ، أو أنه مخترع للواضع المتأخر .

          الأول ممتنع لما يأتي .

          [3] والثاني ، فلا يكون من لغة العرب .

          [4] [ ص: 53 ] قلنا : لا يلزم من عدم التنصيص في آحاد الصور من أهل اللغة على التسمية أن يكون كما ذكروه بل ثم قسم ثالث [5] ، وهو أن تنص العرب كليا على جواز إطلاق الاسم الحقيقي على كل ما كان بينه وبينه علاقة منصوص عليها من قبلهم كما بيناه ، ولا معنى للمجاز إلا هذا ، وهو غير خارج عن لغتهم .

          فإن قيل : لو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان المنع منهم متحققا مع وجود المطلق ، وهو تعارض مخالف للأصل يخالف ما ذكرناه .

          قلنا : أمكن أن يكون المطلق ما ذكرناه مشروطا بعدم ظهور المنع ومع ظهور المنع فلا مطلق وفيه عوص .

          [6] واحتج النافون بأن إطلاق المجاز مما لا يفتقر إلى بحث ونظر دقيق في الجهات المصححة في التجوز ، والأمر النقلي لا يكون كذلك .

          وأيضا فإنه لو كان نقليا لما افتقر فيه إلى العلاقة بينه وبين محل الحقيقة ، بل لكان النقل فيه كافيا .

          ولقائل أن يقول : أما الأول فالنظر ليس في النقل بل في العلاقة التي بين محل التجوز والحقيقة ، وأما الثاني فلأن الافتقار إلى العلاقة إنما كان لضرورة توقف المجاز من حيث هو مجاز عليها ، وإلا كان إطلاق الاسم عليه من باب الاشتراك لا من باب المجاز ، وإذا تقاومت الاحتمالات في هذه المسألة فعلى الناظر بالاجتهاد في الترجيح .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية