الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما فعلت شيئًا لا أوفق فيه، فما نصيحتكم لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 20 سنة، وكنت ملتزمًا ولكن تفلت الأمر مني، عدت للالتزام، ولكني أبتعد قليلًا ثم أرجع. كل أموري الدراسية منذ 5 سنوات غير مستقرة، وكلما فعلت شيئًا لا أوفق فيه، وأستمر أدعو الله كل يوم أن يوفقني، ولكن لا أجد توفيقًا! ولست أقنط من رحمة الله، وأعلم أن الله سيختار لي الأفضل، ولكني أحب أن أدرس وأجمع بين الأمور كلها، واليوم ظهرت نتائجي وهي غير جيدة، وأخاف من كلام أبي؛ لأني أحب أن أفرحه، لكني غير قادر على هذا! وأحمد الله كثيرًا على كل حال.

أحتاج نصيحتكم، والدعاء لي في الصلاة، بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يزن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك التوفيق والنجاح، وأن يُسهل لك أمورك كلها، ويُقدّر لك الخير حيث كان.

أولًا: نشكرك -أيها الولد الكريم الحبيب- على حرصك على بِرِّ الوالد وإدخال السرور إلى قلبه، وهذا من رجاحة عقلك وحُسن إسلامك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحًا.

ثانيًا: ننصحك -أيها الحبيب- بأن تتخذ الأسباب التي تُعينك على الثبات على طاعة الله تعالى، والابتعاد عن معاصيه، وكل ما يُؤدي بك إلى سخط الله تعالى، ومن أهمِّ هذه الأسباب:

1- الصحبة الصالحة: فاحرص على مصاحبة الأخيار من الشباب، والتعرُّف إلى الرجال الطيبين، وأكثر من مجالستهم والتواصل معهم، فإنهم يُذكّرونك وقت النسيان، ويُنبِّهونك وقت الغفلة، ويُعينونك وقت الطاعة، فاحرص على الصحبة الطيبة الصالحة، و(المرء على دين خليله) كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

2- الابتعاد عن كل الأسباب والأدوات التي تُلهيك عن طاعة الله وتُوقعك في الغفلة، واحفظ جوارحك -سمعك وبصرك- بقدر استطاعتك، وإذا زلَّت قدمك ووقعت في الذنب فبادر إلى التوبة، وسارع إلى الندم والاستغفار، فإذا سلكت هذا الطريق؛ فإنك على خيرٍ -إن شاء الله-.

وأمَّا بخصوص أحوالك الدراسية، فاعلم أن لهذه الأمور أسبابها، فخذ بالأسباب، اجتهد في شأن دراستك، ونظّم أوقاتك، واحرص على مذاكرةِ دروسك، فإذا أخذت بالأسباب المباحة المشروعة ففوض الأمور بعد ذلك إلى الله تعالى، ليُقدّر لك ما يشاء.

وليس كل ما تتمنّاه سوف تُدركه، فهذه هي طبيعة الحياة، ولكن ينبغي ألَّا تُفرّط ولا تتهاون بالأخذ بالأسباب، فكلُّ شيءٍ له سبب، خذ بالأسباب، ثم بعد ذلك ارضَ بما قدَّره الله تعالى لك، فما يُقدّره الله هو الخير، وإن كان غير ما تتمنّى، فقد قال الله تعالى: {‌وَعَسى ‌أَنْ ‌تَكْرَهُوا ‌شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

واحذر الإهمال في هذه الأسباب، فإن لله تعالى في هذا الخلق وفي هذا الكون سُنن، وهذه السُّنن لا تُجاملُ أحدًا ولا تُحابي مخلوقًا، وأنت تقرأ في كتاب الله تعالى قصص الأنبياء، وما فيها من أمرهم بالأخذ بالسبب، مع كونهم أقربُ الناس إلى الله تعالى، كما قال الشاعر:

ألم تــــــــــــر أن الله قال لمـــــــــــــــــــــــريمٍ *** إِلَيْكِ فَهُزِّي الْجِذّعَ يَسَّاقَطَ الرُّطَبْ
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هزِّهَا *** جَنَتْهُ، وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَــــــــــــهُ سَبَبْ

فرتِّب أوقاتك، وذاكر دروسك أوّلًا بأوّل، واحرص على المذاكرة والمناقشة مع المتفوقين من زملائك، واربط علاقاتٍ بهم، وسيجعل الله تعالى من أمرك يُسرًا، فإن تقوى الله تعالى والالتزام بشرعه من أعظم الأسباب الموصلة إلى الأرزاق، لذلك قال الله في كتابه: ‌{وَمَنْ ‌يَتَّقِ ‌اللَّهَ ‌يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}، وقال: {وَمَنْ ‌يَتَّقِ ‌اللَّهَ ‌يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}، وقال: {وَاتَّقُوا ‌اللَّهَ ‌وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لك التوفيق، وأن يأخذ بيدك إلى كل خيرٍ ينفعك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً