الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة قوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } أمر الله بالقتال ، وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الباقين ; ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذه المقامات ، كسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة . وصوب ذلك علي بن أبي طالب لهم ، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه .

                                                                                                                                                                                                              ويروى أن معاوية لما أفضى إليه الأمر عاتب سعدا على ما فعل ، وقال له : لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين اقتتلا ، ولا ممن قاتل الفئة الباغية ; فقال له سعد : ندمت على تركي قتال الفئة الباغية . فتبين أنه ليس على الكل درك فيما فعل ، وإنما كان تصرفا بحكم الاجتهاد وإعمالا بما اقتضاه الشرع . وقد بينا في المقسط كلام كل واحد ومتعلقه فيما ذهب إليه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : إن الله سبحانه أمر بالصلح قبل القتال ، وعين القتال عند البغي ; فعل علي بمقتضى حاله فإنه قاتل الباغية التي أرادت الاستبداد على الإمام ، ونقض ما رأى من الاجتهاد والتحيز عن دار النبوة ومقر الخلافة بفئة تطلب ما ليس لها طلبه إلا بشرطه ، من حضور مجلس الحكم والقيام بالحجة على الخصم ; ولو فعلوا ذلك ولم يقد علي منهم ما احتاجوا إلى مجاذبة ; فإن الكافة كانت تخلعه ، والله قد حفظه من ذلك ، وصانه . وعمل الحسن رضي الله عنه بمقتضى حاله ، فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه ، وكان ذلك بأسباب سماوية ، ومقادير أزلية ، ومواعيد من الصادق صادقة ، ومنها ما رأى من تشتت آراء من معه ، ومنها أنه طعن حين خرج إلى معاوية فسقط عن فرسه وداوى جرحه حتى برئ ; فعلم أن عنده من ينافق عليه ولا يأمنه على نفسه .

                                                                                                                                                                                                              ومنها أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه ، وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد ، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليها معاوية . [ ص: 128 ]

                                                                                                                                                                                                              ومنها أنه تذكر وعد جده الصادق عند كل أحد صلى الله عليه وسلم في قوله : { إن ابني هذا لسيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } ، وإنه لما سار الحسن إلى معاوية بالكتاب في أربعين ألفا ، وقدم قيس بن سعد بعشرة آلاف قال عمرو بن العاص لمعاوية : إني أرى كتيبة لا تولي أولاها حتى تدبر أخراها . فقال معاوية لعمرو : من لي بذراري من المسلمين ، فقال : أنا . فقال : عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة : تلقاه فتقول له : الصلح ; فصالحه ، فنفذ الوعد الصادق في قوله : { إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } . وبقوله : { الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تعود ملكا } ، فكانت لأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وللحسن [ منها ] ثمانية أشهر لا تزيد [ يوما ] ولا تنقص يوما ، فسبحان المحيط لا رب غيره .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية