الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                خرج البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث :

                                الحديث الأول :

                                قال :

                                [ ص: 77 ] 515 540 - حدثنا أبو اليمان : أبنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني أنس بن مالك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج حين زاغت الشمس ، فصلى الظهر ، فقام على المنبر ، فذكر الساعة ; فذكر أن فيها أمورا عظاما ، ثم قال : " من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل ، فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي " ، فأكثر الناس في البكاء ، وأكثر أن يقول : " سلوا " ، فقام عبد الله بن حذافة السهمي ، فقال : من أبي ؟ قال : " أبوك حذافة " ، ثم أكثر أن يقول : " سلوني " فبرك عمر على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا . فسكت . ثم قال : " عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط ، فلم أر كالخير والشر " .

                                التالي السابق


                                زيغ الشمس : ميلها ، وهو عبارة عن زوالها .

                                والحديث يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر في ذلك اليوم حين زالت الشمس من غير مهلة ، لكن هل كانت تلك عادته في صلاة الظهر ، أم عجلها ذلك اليوم لأمر حدث حتى يخبرهم به ، ولذلك خطبهم وذكر الساعة ؟

                                هذا محتمل ، والثاني أظهر ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخر صلاة الظهر في شدة الحر ، كما تقدم ، وأما في غير ذلك فكان يعجلها ، لكن هل كانت عادته أن يدخل في صلاة الظهر حين تزول الشمس في غير وقت شدة الحر دائما ؟ هذا فيه نظر ، بل الأظهر خلافه .

                                وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - ، أنه كان يصلي إذا زالت الشمس أربع ركعات ، ويقول : " إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء " .

                                خرجه الترمذي وغيره .

                                [ ص: 78 ] وقد كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وروي عنه أنه كان يصلي أربعا .

                                وهذا كله يدل على أنه لم يكن يحرم الصلاة عقيب الزوال من غير مهلة بينهما .

                                وقد ذكرنا في الباب الماضي حديث ابن مسعود في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة - يعني : قدر الظل .

                                وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أمر بلالا أن يجعل بين أذانه وإقامته قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته .

                                خرجه الترمذي من حديث جابر ، وقال : إسناده مجهول .

                                وخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد من حديث أبي بن كعب .

                                وخرجه الدارقطني وغيره من حديث علي .

                                وروي - أيضا - من حديث أبي هريرة وسلمان .

                                وأسانيده كلها ضعيفة .

                                والصحيح عند أصحابنا : أنه يستحب أن تكون الصلاة بعد مضي قدر الطهارة وغيرها من شرائط الصلاة ، وكذلك هو الصحيح عند أصحاب الشافعي ، وقالوا : لا يضر الشغل الخفيف كأكل لقم وكلام قصير ، ولا يكلف خلاف العادة .

                                ولهم وجه آخر : أنه لا يحصل فضيلة أول الوقت حتى يقدم ذلك كله قبل [ ص: 79 ] الوقت حتى تنطبق الصلاة على أول الوقت .

                                قال بعضهم : وهذا غلط صريح مخالف للسنة المستفيضة ، وقد جعله مالك قول الخوارج وأهل الأهواء .

                                وللشافعية وجه آخر : لا تفوت فضيلة أول نصف الوقت ، ولا يستحب عندهم أن ينتظر بها مصير الفيء مثل الشراك .

                                وحكى الساجي ، عن الشافعي ، أنه يستحب ذلك ، وحكى عن غيره أنه لا يجوز فعلها قبل ذلك ; فإن جبريل عليه السلام صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أول يوم الظهر والفيء مثل الشراك .

                                وهذا ليس بشيء ، وهو مخالف للإجماع ، وقد حمل حديث جبريل على أن الشمس يومئذ زالت على قدر الشراك من الفيء .

                                ونقل ابن القاسم ، عن مالك ، أنه كان يستحب لمساجد الجماعات أن يؤخروا صلاة الظهر بعد الزوال حين يكون الفيء ذراعا ، صيفا وشتاء ، عملا بما رواه في " الموطأ " عن نافع ، أن عمر كتب إلى عماله بذلك .

                                وقال سفيان الثوري : كان يستحب أن يمهل المؤذن بين أذانه وإقامته في الصيف مقدار أربعين آية ، وفي الشتاء على النصف منها ، ويمهل في العصر أربعين آية ، وفي الشتاء على النصف منها ، وفي المغرب إذا وجبت الشمس أذن ، ثم قعد قعدة ، ثم قام وأقام الصلاة . قال : ويمهل في العشاء الآخرة قدر ستين آية . وفي الفجر إذا طلع الفجر أذن ، ثم صلى ركعتين ، ثم سبح الله وذكره .

                                وهذا يدل على استحبابه الإبراد بالعصر في الصيف .

                                وحكي مثله عن أشهب من المالكية .

                                وقد استحب كثير من السلف المشي إلى المساجد قبل الأذان ، وكان الإمام [ ص: 80 ] أحمد يفعله في صلاة الفجر ، والآثار في فضل المبادرة بالخروج إلى المساجد كثيرة .

                                وبقية الحديث ، قد سبق الكلام عليه ، بعضه في " كتاب العلم " ، وبعضه في " الصلاة على التنور والنار " .

                                وعرض الحائط - بضم العين - : جانبه .



                                الخدمات العلمية