الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قال : الدرجة الثانية تجريد الانقطاع عن التعريج على النفس بمجانبة الهوى . [ ص: 33 ] وتنسم روح الأنس ، وشيم برق الكشف .

الفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها : أن الأولى انقطاع عن الخلق ، وهذه انقطاع عن النفس . وجعله بثلاثة أشياء :

أولها : مجانبة الهوى ومخالفته ونهي نفسه عنه ؛ لأن اتباعه يصد عن التبتل .

وثانيها : - وهو بعد مخالفة الهوى - تنسم روح الأنس بالله ، والروح للروح كالروح للبدن . فهو روحها وراحتها . وإنما حصل له هذا الروح لما أعرض عن هواه . فحينئذ تنسم روح الأنس بالله . ووجد رائحته . إذ النفس لا بد لها من التعلق . فلما انقطع تعلقها من هواها وجدت روح الأنس بالله . وهبت عليها نسماته . فريحتها وأحيتها .

وثالثها : شيم برق الكشف . وهو مطالعته واستشرافه ، والنظر إليه . ليعلم به مواقع الغيث ومساقط الرحمة .

وليس مراده بالكشف هاهنا الكشف الجزئي السفلي ، المشترك بين البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، كالكشف عن مخبآت الناس ومستورهم . وإنما هو الكشف عن ثلاثة أشياء ، هن منتهى كشف الصادقين أرباب البصائر .

أحدها : الكشف عن منازل السير .

والثاني : الكشف عن عيوب النفس ، وآفات الأعمال ومفسداتها .

والثالث : الكشف عن معاني الأسماء والصفات ، وحقائق التوحيد والمعرفة .

وهذه الأبواب الثلاثة هي مجامع علوم القوم . وعليها يحومون . وحولها يدندنون . وإليها يشمرون . فمنهم من جل كلامه ومعظمه في السير وصفة المنازل . ومنهم من جل كلامه في الآفات والقواطع . ومنهم من جل كلامه في التوحيد والمعرفة ، وحقائق الأسماء والصفات .

والصادق الذكي يأخذ من كل منهم ما عنده من الحق . فيستعين به على مطلبه . ولا يرد ما يجده عنده من الحق لتقصيره في الحق الآخر . ويهدره به . فالكمال المطلق لله رب العالمين ، وما من العباد إلا له مقام معلوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية