فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28900_28910وذكر الصراط المستقيم مفردا معرفا تعريفين : تعريفا باللام ، وتعريفا بالإضافة ، وذلك يفيد تعينه واختصاصه ، وأنه صراط واحد ، وأما طرق أهل الغضب والضلال فإنه سبحانه يجمعها ويفردها ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله فوحد لفظ الصراط وسبيله ، وجمع السبل المخالفة له ،
[ ص: 38 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=980103وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ، وقال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ، وقال : هذه سبل ، على كل سبيل شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد ، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه ، لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق ، ولو أتى الناس من كل طريق ، واستفتحوا من كل باب ، فالطرق عليهم مسدودة ، والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد ، فإنه متصل بالله ، موصل إلى الله ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=41هذا صراط علي مستقيم قال
الحسن : معناه صراط إلي مستقيم ، وهذا يحتمل أمرين : أن يكون أراد به أنه من باب إقامة الأدوات بعضها مقام بعض ، فقامت أداة " على " مقام " إلى " ، والثاني : أنه أراد التفسير على المعنى ، وهو الأشبه بطريق السلف ، أي صراط موصل إلي ، وقال
مجاهد : الحق يرجع إلى الله ، وعليه طريقه ، لا يعرج على شيء ، وهذا مثل قول
[ ص: 39 ] الحسن وأبين منه ، وهو من أصح ما قيل في الآية ، وقيل : علي فيه للوجوب ، أي علي بيانه وتعريفه والدلالة عليه ، والقولان نظير القولين في آية النحل ، وهي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وعلى الله قصد السبيل والصحيح فيها كالصحيح في آية الحجر : أن السبيل القاصد وهو المستقيم المعتدل يرجع إلى الله ، ويوصل إليه ، قال
طفيل الغنوي :
مضوا سلفا قصد السبيل عليهم وصرف المنايا بالرجال تشقلب
أي ممرنا عليهم ، وإليهم وصولنا ، وقال الآخر :
فهن المنايا أي واد سلكته عليها طريقي أو علي طريقها
فإن قيل : لو أريد هذا المعنى لكان الأليق به أداة إلى التي هي للانتهاء ، لا أداة على التي هي للوجوب ، ألا ترى أنه لما أراد الوصول قال
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=25إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=70إلينا مرجعهم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108ثم إلى ربهم مرجعهم وقال لما أراد الوجوب
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=26ثم إن علينا حسابهم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ونظائر ذلك .
قيل : في أداة على سر لطيف ، وهو الإشعار بكون السالك على هذا الصراط على هدى ، وهو حق ، كما قال في حق المؤمنين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=79فتوكل على الله إنك على الحق المبين والله عز وجل هو الحق ، وصراطه حق ، ودينه حق ، فمن استقام على صراطه فهو على الحق والهدى ، فكان في أداة " على " على هذا المعنى ما ليس في أداة إلى فتأمله ، فإنه سر بديع .
فإن قلت : فما الفائدة في ذكر على في ذلك أيضا ؟ وكيف يكون المؤمن مستعليا على الحق ، وعلى الهدى ؟ .
[ ص: 40 ] قلت : لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى ، مع ثباته عليه ، واستقامته إليه ، فكان في الإتيان بأداة " على " ما يدل على علوه وثبوته واستقامته ، وهذا بخلاف الضلال والريب ، فإنه يؤتى فيه بأداة " في " الدالة على انغماس صاحبه ، وانقماعه وتدسسه فيه ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فهم في ريبهم يترددون وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فذرهم في غمرتهم حتى حين وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=110وإنهم لفي شك منه مريب .
وتأمل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين فإن طريق الحق تأخذ علوا صاعدة بصاحبها إلى العلي الكبير ، وطريق الضلال تأخذ سفلا ، هاوية بسالكها في أسفل سافلين .
وفي قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=41قال هذا صراط علي مستقيم قول ثالث ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي إنه على التهديد والوعيد ، نظير قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد كما قال : تقول طريقك علي ، وممرك علي ، لمن تريد إعلامه بأنه غير فائت لك ، ولا معجز ، والسياق يأبى هذا ، ولا يناسبه لمن تأمله ، فإنه قاله مجيبا لإبليس الذي قال
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فإنه لا سبيل لي إلى إغوائهم ، ولا طريق لي عليهم .
فقرر الله عز وجل ذلك أتم التقرير ، وأخبر أن الإخلاص صراط عليه مستقيم ،
[ ص: 41 ] فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصراط ، لأنه صراط علي ، ولا سبيل لإبليس إلى هذا الصراط ، ولا الحوم حول ساحته ، فإنه محروس محفوظ بالله ، فلا يصل عدو الله إلى أهله .
فليتأمل العارف هذا الموضع حق التأمل ، ولينظر إلى هذا المعنى ، ويوازن بينه وبين القولين الآخرين ، أيهما أليق بالآيتين ، وأقرب إلى مقصود القرآن وأقوال السلف ؟ .
وأما تشبيه
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي له بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد فلا يخفى الفرق بينهما سياقا ودلالة ، فتأمله ، ولا يقال في التهديد : هذا طريق مستقيم علي ، لمن لا يسلكه ، وليست سبيل المهدد مستقيمة ، فهو غير مهدد بصراط الله المستقيم ، وسبيله التي هو عليها ليست مستقيمة على الله ، فلا يستقيم هذا القول البتة .
وأما من فسره بالوجوب ، أي علي بيان استقامته والدلالة عليه ، فالمعنى صحيح ، لكن في كونه هو المراد بالآية نظر ، لأنه حذف في غير موضع الدلالة ، ولم يؤلف الحذف المذكور ليكون مدلولا عليه إذا حذف ، بخلاف عامل الظرف إذا وقع صفة فإنه حذف مألوف معروف ، حتى إنه لا يذكر البتة ، فإذا قلت : له درهم علي ، كان الحذف معروفا مألوفا ، فلو أردت : علي نقده ، أو علي وزنه وحفظه ، ونحو ذلك وحذفت لم يسغ ، وهو نظير : علي بيانه المقدر في الآية ، مع أن الذي قاله السلف أليق بالسياق ، وأجل المعنيين وأكبرهما .
وسمعت شيخ الإسلام
تقي الدين أحمد ابن تيمية رضي الله عنه يقول : وهما نظير
[ ص: 42 ] قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=12إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى قال : فهذه ثلاثة مواضع في القرآن في هذا المعنى .
قلت : وأكثر المفسرين لم يذكر في سورة "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1والليل إذا يغشى " إلا معنى الوجوب ، أي علينا بيان الهدى من الضلال ، ومنهم من لم يذكر في سورة النحل إلا هذا المعنى
كالبغوي ، وذكر في الحجر الأقوال الثلاثة ، وذكر
الواحدي في بسيطه المعنيين في سورة النحل ، واختار شيخنا قول
مجاهد و
الحسن في السور الثلاث .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28900_28910وَذَكَرَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مُفْرَدًا مُعَرَّفًا تَعْرِيفَيْنِ : تَعْرِيفًا بِاللَّامِ ، وَتَعْرِيفًا بِالْإِضَافَةِ ، وَذَلِكَ يُفِيدُ تَعَيُّنَهُ وَاخْتِصَاصَهُ ، وَأَنَّهُ صِرَاطٌ وَاحِدٌ ، وَأَمَّا طُرُقُ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْمَعُهَا وَيُفْرِدُهَا ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ فَوَحَّدَ لَفْظَ الصِّرَاطِ وَسَبِيلِهِ ، وَجَمَعَ السُّبُلَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ ،
[ ص: 38 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=980103وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ، وَقَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، وَقَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَلَوْ أَتَى النَّاسُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ ، وَاسْتَفْتَحُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاحِدِ ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=41هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ قَالَ
الْحَسَنُ : مَعْنَاهُ صِرَاطٌ إِلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ : أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إِقَامَةِ الْأَدَوَاتِ بَعْضِهَا مَقَامَ بَعْضٍ ، فَقَامَتْ أَدَاةُ " عَلَى " مَقَامَ " إِلَى " ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ التَّفْسِيرَ عَلَى الْمَعْنَى ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِطَرِيقِ السَّلَفِ ، أَيْ صِرَاطٌ مُوَّصِلٌ إِلَيَّ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ ، لَا يُعَرَّجُ عَلَى شَيْءٍ ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ
[ ص: 39 ] الْحَسَنِ وَأَبْيَنُ مِنْهُ ، وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ ، وَقِيلَ : عَلَيَّ فِيهِ لِلْوُجُوبِ ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُهُ وَتَعْرِيفُهُ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلَانِ نَظِيرُ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ النَّحْلِ ، وَهِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَالصَّحِيحُ فِيهَا كَالصَّحِيحِ فِي آيَةِ الْحِجْرِ : أَنَّ السَّبِيلَ الْقَاصِدَ وَهُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُعْتَدِلُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ ، وَيُوَصِّلُ إِلَيْهِ ، قَالَ
طُفَيْلٌ الْغَنَوِيُّ :
مَضَوْا سَلَفًا قَصْدُ السَّبِيلِ عَلَيْهِمُ وَصَرْفُ الْمَنَايَا بِالرِّجَالِ تُشَقْلَبُ
أَيْ مَمَرُّنَا عَلَيْهِمْ ، وَإِلَيْهِمْ وُصُولُنَا ، وَقَالَ الْآخَرُ :
فَهُنَّ الْمَنَايَا أَيُّ وَادٍ سَلَكْتُهُ عَلَيْهَا طَرِيقِي أَوْ عَلَيَّ طَرِيقُهَا
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهِ أَدَاةَ إِلَى الَّتِي هِيَ لِلِانْتِهَاءِ ، لَا أَدَاةَ عَلَى الَّتِي هِيَ لِلْوُجُوبِ ، ألَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْوُصُولَ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=25إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=70إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ وَقَالَ لَمَّا أَرَادَ الْوُجُوبَ
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=26ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ .
قِيلَ : فِي أَدَاةِ عَلَى سِرٌّ لَطِيفٌ ، وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِكَوْنِ السَّالِكِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ عَلَى هُدًى ، وَهُوَ حَقٌّ ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَقَالَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=79فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْحَقُّ ، وَصِرَاطُهُ حقٌّ ، وَدِينُهُ حَقٌ ، فَمَنِ اسْتَقَامَ عَلَى صِرَاطِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى ، فَكَانَ فِي أَدَاةِ " عَلَى " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي أَدَاةِ إِلَى فَتَأَمَّلْهُ ، فَإِنَّهُ سِرٌّ بَدِيعٌ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ عَلَى فِي ذَلِكَ أَيْضًا ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُسْتَعْلِيًا عَلَى الْحَقِّ ، وَعَلَى الْهُدَى ؟ .
[ ص: 40 ] قُلْتُ : لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِعْلَائِهِ وَعُلُوِّهِ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى ، مَعَ ثَبَاتِهِ عَلَيْهِ ، وَاسْتِقَامَتِهِ إِلَيْهِ ، فَكَانَ فِي الْإِتْيَانِ بِأَدَاةِ " عَلَى " مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّهِ وَثُبُوتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّلَالِ وَالرَّيْبِ ، فَإِنَّهُ يُؤْتَى فِيهِ بِأَدَاةِ " فِي " الدَّالَّةِ عَلَى انْغِمَاسِ صَاحِبِهِ ، وَانْقِمَاعِهِ وَتَدَسُّسِهِ فِيهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=110وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ .
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ تَأْخُذُ عُلُوًّا صَاعِدَةً بِصَاحِبِهَا إِلَى الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ، وَطَرِيقَ الضَّلَالِ تَأْخُذُ سُفْلًا ، هَاوِيَةً بِسَالِكِهَا فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=41قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ قَوْلٌ ثَالِثٌ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ إِنَّهُ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ ، نَظِيرُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ كَمَا قَالَ : تَقُولُ طَرِيقُكَ عَلَيَّ ، وَمَمَرُّكَ عَلَيَّ ، لِمَنْ تُرِيدُ إِعْلَامَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ فَائِتٍ لَكَ ، وَلَا مُعْجِزٍ ، وَالسِّيَاقُ يَأْبَى هَذَا ، وَلَا يُنَاسِبُهُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ، فَإِنَّهُ قَالَهُ مُجِيبًا لِإِبْلِيسَ الَّذِي قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِي إِلَى إِغْوَائِهِمْ ، وَلَا طَرِيقَ لِي عَلَيْهِمْ .
فَقَرَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ أَتَمَّ التَّقْرِيرِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِخْلَاصَ صِرَاطٌ عَلَيْهِ مُسْتَقِيمٌ ،
[ ص: 41 ] فَلَا سُلْطَانَ لَكَ عَلَى عِبَادِي الَّذِينَ هُمْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ ، لِأَنَّهُ صِرَاطٌ عَلَيَّ ، وَلَا سَبِيلَ لِإِبْلِيسَ إِلَى هَذَا الصِّرَاطِ ، وَلَا الْحَوْمِ حَوْلَ سَاحَتِهِ ، فَإِنَّهُ مَحْرُوسٌ مَحْفُوظٌ بِاللَّهِ ، فَلَا يَصِلُ عَدُوُّ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ .
فَلْيَتَأَمَّلِ الْعَارِفُ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، وَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ، وَيُوَازِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، أَيُّهُمَا أَلْيَقُ بِالْآيَتَيْنِ ، وَأَقْرَبُ إِلَى مَقْصُودِ الْقُرْآنِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ ؟ .
وَأَمَّا تَشْبِيهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ لَهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ فَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا سِيَاقًا وَدِلَالَةً ، فَتَأَمَّلْهُ ، وَلَا يُقَالُ فِي التَّهْدِيدِ : هَذَا طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَيَّ ، لِمَنْ لَا يَسْلُكُهُ ، وَلَيْسَتْ سَبِيلُ الْمُهَدَّدِ مُسْتَقِيمَةً ، فَهُوَ غَيْرُ مُهَدَّدٍ بِصِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَسَبِيلُهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً عَلَى اللَّهِ ، فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ الْبَتَّةَ .
وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِالْوُجُوبِ ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُ اسْتِقَامَتِهِ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ ، فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ ، لَكِنْ فِي كَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ حَذْفٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الدِّلَالَةِ ، وَلَمْ يُؤَلَّفِ الْحَذْفُ الْمَذْكُورُ لِيَكُونَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ إِذَا حُذِفَ ، بِخِلَافِ عَامِلِ الظَّرْفِ إِذَا وَقَعَ صِفَةً فَإِنَّهُ حَذْفٌ مَأْلُوفٌ مَعْرُوفٌ ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يُذْكَرُ الْبَتَّةَ ، فَإِذَا قُلْتَ : لَهُ دِرْهَمٌ عَلَيَّ ، كَانَ الْحَذْفُ مَعْرُوفًا مَأْلُوفًا ، فَلَوْ أَرَدْتَ : عَلَيَّ نَقْدُهُ ، أَوْ عَلَيَّ وَزْنُهُ وَحِفْظُهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَحَذَفْتَ لَمْ يَسُغْ ، وَهُوَ نَظِيرُ : عَلَيَّ بَيَانُهُ الْمُقَدَّرِ فِي الْآيَةِ ، مَعَ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ السَّلَفُ أَلْيَقُ بِالسِّيَاقِ ، وَأَجَلُّ الْمَعْنَيَيْنِ وَأَكْبَرُهُمَا .
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ
تَقِيَّ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : وَهُمَا نَظِيرُ
[ ص: 42 ] قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=12إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى قَالَ : فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ فِي الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
قُلْتُ : وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ لَمْ يَذْكُرْ فِي سُورَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى " إِلَّا مَعْنَى الْوُجُوبِ ، أَيْ عَلَيْنَا بَيَانُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى
كَالْبَغَوِيِّ ، وَذَكَرَ فِي الْحِجْرِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ، وَذَكَرَ
الْوَاحِدِيُّ فِي بَسِيطِهِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا قَوْلَ
مُجَاهِدٍ وَ
الْحَسَنِ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ .