المسألة الثالثة : يجب ، فإن فرق بنفسه ، أو فرق الإمام ، وليس هناك عامل ، فرق على السبعة . وحكي قول : أنه إذا فرق بنفسه ، سقط أيضا نصيب المؤلفة . والمشهور : ما سبق . استيعاب الأصناف الثمانية عند القدرة عليهم
ومتى فقد صنف فأكثر ، قسم المال على الباقين . فإن لم يوجد أحد من الأصناف ، حفظت الزكاة حتى يوجدوا ، أو يوجد بعضهم . وإذا قسم الإمام ، لزمه استيعاب آحاد كل صنف ، ولا يجوز الاقتصار على بعضهم ، لأن الاستيعاب لا يتعذر عليه ، وليس المراد أنه يستوعبهم بزكاة كل شخص ، بل يستوعبهم من الزكاة المختلطة في يده ، وله أن يخص بعضهم بنوع من المال ، وآخرين بنوع .
وإن قسم المالك ، فإن أمكنه الاستيعاب ، بأن كان المستحقون في البلد محصورين يفي بهم المال ، فقد أطلق في " التتمة " : أنه يجب الاستيعاب ، وفي " التهذيب " : أنه يجب إن جوزنا نقل الصدقة ، وإن لم نجوزه لم يجب ، لكن يستحب ، وإن لم يمكن ، سقط الوجوب والاستحباب ، ولكن لا ينقص الذين ذكرهم الله تعالى بلفظ الجمع من الفقراء وغيرهم عن ثلاثة ، إلا العامل فيجوز أن يكون واحدا وهل يكتفى في ابن السبيل بواحد ؟ فيه وجهان .
أصحهما : المنع ، كالفقراء . قال بعضهم : ولا يبعد طرد الوجهين في الغزاة لقوله تعالى : ( وفي سبيل الله ) [ التوبة : 60 ] بغير لفظ الجمع . فلو صرف ما عليه إلى اثنين مع القدرة على الثالث ، غرم للثالث .
وفي قدره قولان . المنصوص في الزكاة : أنه يغرم ثلث نصيب ذلك الصنف . والقياس : أنه يغرم قدرا لو أعطاه في الابتداء ، أجزأه ، لأنه الذي فرط فيه ، [ ص: 330 ] ولو صرفه إلى واحد ، فعلى الأول : يلزمه الثلثان ، وعلى الثاني : أقل ما يجوز صرفه إليهما .
قلت : هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى : إن الأقيس هو الثاني ، ثم الجمهور أطلقوا القولين هكذا . قال صاحب " العدة " : إذا قلنا : يضمن الثلث ، ففيه وجهان . أحدهما : أن المراد إذا كانوا سووا في الحاجة ، حتى لو كان حاجة هذا الثالث حين استحق التفرقة مثل حاجة الآخرين جميعا . ضمن له نصف السهم ليكون معه مثلهما ، لأنه يستحب التفرقة على قدر حوائجهم . والثاني : أنه لا فرق . والله أعلم .
ولو لم يوجد إلا دون الثلاثة من صنف ، يجب إعطاء ثلاثة منهم ، وهذا هو الصحيح ، ومراده : إذا كان الثلاثة متعينين ، أعطى من وجد . وهل يصرف باقي السهم إليه إذا كان مستحقا ، أم ينقل إلى بلد آخر ؟ قال المتولي : هو كما لو لم يوجد بعض الأصناف في البلد . وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
قلت : الأصح ، أن يصرف إليه . وممن صححه ، ونقله هو وصاحب العدة وغيرهما عن نص الشيخ نصر المقدسي رحمة الله عليه ودليله ظاهر . والله أعلم . الشافعي
فرع
واجبة . وإن كانت حاجة بعضهم أشد ، إلا أن العامل لا يزاد على أجرة عمله كما سبق . وأما التسوية بين آحاد الصنف ، سواء استوعبوا أو اقتصر على بعضهم ، فلا يجب ، لكن يستحب عند تساوي الحاجات . التسوية بين الأصناف
هذا إذا قسم المالك . قال في " التتمة " : فأما إن قسم الإمام ، فلا يجوز تفضيل [ ص: 331 ] بعضهم عند تساوي الحاجات ، لأن عليه التعميم ، فتلزمه التسوية ، والمالك لا تعميم عليه ، فلا تسوية .
قلت : هذا التفصيل الذي في " التتمة " وإن كان قويا في الدليل ، فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية . وحيث لا يجب الاستيعاب ، قال أصحابنا : يجوز الدفع إلى المستحقين من المقيمين بالبلد والغرباء ، ولكن المستوطنون أفضل ، لأنهم جيرانه . والله أعلم .
فرع
، وجب نقل الزكاة إلى أقرب البلاد إليه . فإن نقل إلى أبعد ، فهو على الخلاف في نقل الزكاة . وإن عدم بعضهم ، فإن كان العامل ، سقط سهمه . وإن عدم غيره ، فإن جوزنا نقل الزكاة ، نقل نصيب الباقي ، وإلا فوجهان : أحدهما : ينقل . وأصحهما : يرد على الباقين . إذا عدم في بلد جميع الأصناف
فإن قلنا : ينقل ، نقل إلى أقرب البلاد . فإن نقل إلى غيره ، أو لم ينقل ، ورده على الباقي ، ضمن ، وإن قلنا : لا ينقل فنقل ، ضمن . ولو وجد الأصناف فقسم ، فنقص سهم بعضهم عن الكفاية ، وزاد سهم بعضهم عليها ، فهل يصرف ما زاد إلى من نقص نصيبه ، أم ينقل إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد ؟ فيه هذا الخلاف .
وإذا قلنا : يرد على من نقص سهمهم ، رد عليهم بالسوية . فإن استغنى بعضهم ببعض المردود ، قسم الباقي بين الآخرين بالسوية .
ولو زاد نصيب جميع الأصناف على الكفاية ، أو نصيب بعضهم ، ولم ينقص نصيب الآخرين ، نقل ما زاد إلى ذلك الصنف .