فصل في
إن كان نخلا أو عنبا ، اعتبر تمرا وزبيبا ، فإن كان رطبا لا يتخذ منه تمر ، فوجهان . أصحهما : يوسق رطبا ، والثاني : يعتبر بحالة الجفاف ، وعلى هذا وجهان ، أحدهما : يعتبر بنفسه بلوغه نصابا وإن كان حشفا ، والثاني : بأقرب الأرطاب إليه ، وهذا إذا كان يجيء منه تمر رديء ، فأما إذا كان يفسد بالكلية ، فيقتصر على الوجه الأصح ، وهو توسيقه رطبا . والعنب الذي لا يتزبب ، كالرطب الذي لا يتتمر ، ولا خلاف في ضم ما لا يجفف منهما إلى ما يجفف في تكميل النصاب . ثم في أخذ الواجب من الذي لا يجفف إشكال ، ستعرفه مع الخلاص منه في مسألة إصابة النخل العطش إن شاء الله تعالى . الحال الذي يعتبر فيه بلوغ المعشر خمسة أوسق
وأما الحبوب فيعتبر بلوغها نصابا بعد التصفية من التبن ، ثم قشورها أضرب ؛ أحدها : قشر لا يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه ، فلا يدخل في النصاب ، والثاني : قشر يدخر الحب فيه ويؤكل معه كالذرة ، فيدخل القشر في الحساب ، فإنه طعام وإن كان قد يزال كما تقشر الحنطة . وفي [ ص: 237 ] دخول القشرة السفلى من الباقلاء في الحساب وجهان . قال في " العدة " : المذهب لا يدخل .
الثالث : قشر يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه ، فلا يدخل في حساب النصاب ، ولكن يؤخذ الواجب فيه كالعلس والأرز . أما العلس فقال - رحمه الله - عنه في الأم : يبقى بعد دياسه على كل حبتين منه كمام لا يزول إلا بالرحى الخفيفة ، أو بمهراس ، وادخاره في ذلك الكمام أصلح له ، وإذا أزيل كان الصافي نصف المبلغ ، فلا يكلف صاحبه إزالة ذلك الكمام عنه ، ويعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة أوسق ليكون الصافي منه خمسة . وأما الأرز ، فيدخر أيضا مع قشره ، فإنه أبقى له ، ويعتبر بلوغه مع القشر عشرة أوسق كالعلس ، وعن الشيخ الشافعي أبي حامد أنه قد يخرج منه الثلث ، فيعتبر بلوغه قدرا يكون الخارج منه نصابا .
فصل
، ويضم أنواع التمر بعضها إلى بعض ، وأنواع الزبيب بعضها إلى بعض ، ولا تضم الحنطة إلى الشعير ، ولا سائر أجناس الحبوب بعضها إلى بعض ، ويضم العلس إلى الحنطة ؛ لأنه نوع منها ، وأكمته يحوي الواحد منها حبتين ، وإذا نحيت الأكمة ، خرجت الحنطة الصافية ، وقبل التنحية إذا كان له وسقان من العلس ، وأربعة حنطة ، تم نصابه . فلو كانت الحنطة ثلاثة أوسق لم يتم النصاب إلا بأربعة أوسق علسا ، وعلى هذا القياس . لا يضم التمر إلى الزبيب في إكمال النصاب
وأما السلت ، فقال العراقيون وصاحب التهذيب : هو حب يشبه الحنطة في اللون والنعومة ، والشعير في برودة الطبع ، وعكس الصيدلاني وآخرون فقالوا : هو في صورة الشعير ، وطبعه حار كالحنطة .
[ ص: 238 ] قلت : الصحيح بل الصواب ما قاله العراقيون ، وبه قطع جماهير الأصحاب ، وهو الذي ذكره أهل اللغة ، والله أعلم .
ثم فيه ثلاثة أوجه . أصحها ، وهو نصه في أنه أصل بنفسه لا يضم إلى غيره ، والثاني : يضم إلى الحنطة ، والثالث : إلى الشعير . البويطي
فرع
تقدم في خلاف في ثبوتها في الثمار والزروع ، وأنها إن ثبتت فهل تثبت خلطتا الشيوع والجوار أم الشيوع فقط ؟ والمذهب ثبوتهما معا ، فإن قلنا : لا تثبتان ، لم يكمل ملك رجل بملك غيره في إتمام النصاب ، وإن أثبتناهما كمل بملك الشريك والجار . ولو مات إنسان وخلف ورثة ونخيلا مثمرة أو غير مثمرة وبدا الصلاح في الحالين في ملك الورثة فإن قلنا : لا تثبت الخلطة في الثمار ، فحكم كل واحد منقطع عن غيره ، فمن بلغ نصيبه نصابا زكى ، ومن لا فلا ، وسواء اقتسموا ، أم لا . وإن قلنا : تثبت ، قال الخلطة رحمه الله : إن اقتسموا قبل بدو الصلاح ، زكوا زكاة الانفراد ، فمن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شيء عليه ، وهذا إذا لم تثبت خلطة الجوار ، أو أثبتناها وكانت متباعدة . أما إذا كانت متجاورة وأثبتناها ، فيزكون زكاة الخلطة ، كما قبل القسمة ، وإن اقتسموا بعد بدو الصلاح ، زكوا زكاة الخلطة ، لاشتراكهم حالة الوجوب . ثم هنا اعتراضان : الشافعي
أحدهما للمزني ، قال : القسمة بيع ، وبيع الربوي بعضه ببعض جزافا لا يجوز ، وبيع الرطب على رءوس النخل بالرطب بيع جزاف ، وأيضا فبيع الرطب بالرطب عند لا يجوز بحال . أجاب الأصحاب بجوابين . أحدهما : قالوا : الأمر على ما ذكر إن قلنا : القسمة بيع ، ولكن فرع الشافعي رحمه الله على القول الآخر أنها إفراز الثاني ، وإن قلنا : القسمة بيع ، فتتصور القسمة هنا من وجوه . الشافعي
[ ص: 239 ] منها : أن يكون بعض النخيل مثمرا ، وبعضها غير مثمر ، فيجعل هذا سهما وذاك سهما ، ويقسمه قسمة تعديل ، فيكون بيع نخيل ورطب بنخل متمحض ، وذلك جائز .
ومنها : أن تكون التركة نخلتين والورثة شخصين ، اشترى أحدهما نصيب صاحبه من إحدى النخلتين - أصلها وثمرها - بعشرة دراهم ، وباع نصيبه من الأخرى لصاحبه بعشرة وتقاصا . قال الأصحاب : ولا يحتاج إلى شرط القطع وإن كان قبل بدو الصلاح ؛ لأن المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة معا ، فصار كما لو باعها كلها بثمرتها صفقة ، وإنما يحتاج إلى شرط القطع إذا أفرد الثمرة بالبيع .
ومنها : أن يبيع كل واحد نصيبه من ثمرة إحدى النخلتين بنصيب صاحبه من جذعها ، فيجوز بعد بدو الصلاح ، ولا يكون ربا ، ولا يجوز قبل بدوه إلا بشرط القطع ؛ لأنه بيع ثمرة تكون للمشتري على جذع البائع . وقال بعض الأصحاب : قسمة الثمار بالخرص تجوز على أحد القولين . قال : والذي ذكره هنا تفريع على ذلك القول . ولك أن تقول : هذا يدفع إشكال البيع جزافا ، ولا يدفع إشكال منع بيع الرطب بالرطب . الشافعي
الاعتراض الثاني : قال العراقيون : جواز هو بناء على أن الزكاة في الذمة . فإن قلنا : إنها تتعلق بالعين لم تصح القسمة . القسمة قبل إخراج الزكاة
واعلم أنه يمكن تصحيح القسمة مع التفريع على قول العين بأن تخرص الثمار عليهم ، ويضمنوا حق المساكين ، فلهم التصرف بعد ذلك ، وأيضا فإنا حكينا في قول البيع قولين تفريعا على التعلق بالعين ، فكذلك القسمة إن جعلناها بيعا ، وإن قلنا : إفراز فلا منع ، وجميع ما ذكرناه إذا لم يكن على الميت دين ، فإن مات وعليه دين وله نخيل مثمرة ، فبدا الصلاح فيها بعد موته وقبل أن تباع - فالمذهب والذي قطع به الجمهور : وجوب الزكاة على الورثة ؛ لأنها ملكهم ما لم تبع في الدين ، وقيل : قولان . أظهرهما : هذا ، والثاني : لا تجب ؛ لعدم استقرار الملك في الحال ، ويمكن بناؤه على الخلاف في أن الدين هل يمنع الإرث أم لا ؟ فعلى [ ص: 240 ] المذهب : حكمهم في كونهم يزكون زكاة خلطة أم انفراد ؟ على ما سبق إذا لم يكن دين . ثم إن كانوا موسرين ، أخذت الزكاة منهم ، وصرفت النخيل والثمار إلى دين الغرماء ، وإن كانوا معسرين ، فطريقان :
أحدهما أنه على الخلاف في أن الزكاة تتعلق بالذمة أم بالعين ؟ إن قلنا بالذمة والمال مرهون بها خرج على الأقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي . فإن سوينا وزعنا المال على الزكاة والغرماء ، وإن قلنا بالعين أخذت ، سواء قلنا : تعلق الأرش ، أو تعلق الشركة . والطريق الثاني وهو الأصح : تؤخذ الزكاة بكل حال ؛ لشدة تعلقها بالمال . ثم إذا أخذت من العين ولم يف الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا ؛ لأن وجوب الزكاة عليهم ، وبسببه خرج ذلك القدر عن الغرماء . قال صاحب التهذيب : هذا إذا قلنا : الزكاة تتعلق بالذمة . فإن علقناها بالعين لم يغرموا كما ذكرنا في الرهن . أما إذا كان إطلاع النخل بعد موته ، فالثمرة محض حق الورثة ، لا تصرف إلى دين الغرماء ، إلا إذا قلنا بالضعيف : إن الدين يمنع الإرث ، فحكمها كما لو حدثت قبل موته .