الشرط الثامن : ، وقاله الأئمة ; لأن الإجارة معاوضة مكايسة فتمتنع فيها الجهالة والغرر ( لنهيه - عليه السلام - عن بيع المجهول ) ولقوله تعالى : ( كون المنفعة معلومة لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) وفي الكتاب : باع بمائة على أن يتجر بها سنة : هو بيع وإجارة يجوز إن شرط خلف المال إن تلف ، كمن استأجر على رعاية غنم بعينها سنة إن شرط الخلف جاز ، وإلا فلا ، فإن شرط فهلك بعضه فامتنع من إخلافه ووفى الأجير المدة ، له كمال الأجرة ; لأن الأجير أسقط حقه ، ولو كانت بمائة غير معينة جاز ، وإن لم يشترط الخلف ; لعدم التعيين ، ويجوز اجتماع البيع والإجارة دون الجعل ; لأن الجعل عقد غرر ، ويصير البيع غررا ، بخلاف الإجارة ، ولا يجتمع ، ومنع ( ش ) و ( ح ) الجمع في الكل لتباين العقود ، قال صاحب التنبيهات : اشتراط الخلف في المال دليل على عدم تضمين الأجير ما في يديه فيما يبيع به أو يشتري ، وجوز الجعل مع الإجارة ، وغيره عدم اشتراط الخلف في الدنانير والغنم ; لأن الحكم يوجبه ، وإن لم يشترط ، قال صاحب النكت : إنما يصح اشتراط التجر بالمائة إذا أخرجها المشتري من ذمته إلى الأمانة . أو يسمي الأنواع من التجارات لئلا يكون سلفا للنفع ، وغررا للشرط ولا يلزمه أن ينزعها لعدم دخوله في الشرط ، وإن شرط ذلك امتنع لعدم انضباطه ، فيكون عمل الإجارة مجهولا [ ص: 416 ] بخلاف الراعي يشرط عليه رعاية مائة من الغنم ; لانضباطه عادة ، ولو لم يحضر الثمن ، وتجر سنة فالربح والخسارة له وعليه لفساد العقد ، ويرتجع البائع من سلعته بقدر الإجارة ; لأن السلعة بذلت في الثمن والإجارة ، ويأخذ ذلك من عينها إن كانت قائمة ، وقيل : لا يرجع في عينها لضرر الشركة ، وحيث صحت الإجارة فمات في نصف السنة جرى الخلف المتقدم هل يرجع في عينها لأنها عين ماله ، أو قيمتها ؟ وإذا كمل السنة والمائة عروض لم يلزمه بيعها بخلاف المقارض ; لأنه لا يستحق إلا بعد النضوض ورد عين المال ، وهذا استحق السلعة بمجرد العمل ، وإذا مضت المائة في خلال السنة فللبائع تمامها : ولا مقال للمشتري ; لأن العقد اقتضى التجر بمائة ، فإن استحقت السلعة بالبينة بعد التجر فله أجرة المثل ، والرجوع بالثمن ، والربح والخسارة للبائع وعليه . لبطلان العقد بالاستحقاق ، وإن ظهر له عيبها في السنة وقد فاتت فقيمة العيب من الثمن ، وحصة الإجارة في نصف السنة الماضي ، ويتجر في النصف الباقي بما بقي من الثمن فقط بعد إسقاط حصة العيب لتبين عدم قبضه لجملة ما يوجب كمال العمل ، وكذلك لو اطلع على العيب قبل العمل وقد فاتت السلعة عمل السنة بما بقي بعد الإسقاط ، قال سحنون اللخمي : قيل : يمتنع جمع البيع والإجارة ; لأن الإجارة غرر ببيع ما ليس عندك ، وهي بصدد الفسخ ، لا سيما إجارة العمل تقل وتكثر ، وجيد ورديء ، وقد منع مالك ضم الجزاف المكيل ، وهو أقل غررا من الإجارة ، وقيل : يجوز البيع والجعل في عقد ، والخلاف راجع إلى بيع سلعتين : أحدهما بالخيار ، والأخرى على البت ، وحيث أجزنا فحيث كانت تبعا للبيع ، وإن اشترط في المائة عدم الخلف إن ضاعت ، والمحاسبة بقدر العمل : جاز عند ابن القاسم على قوله فيمن ، ويشهد المشتري على إخراج المائة في ذمته ، وجلوسه في الحوانيت يبيع ويشتري يقوم مقام الإشهاد ، ويصدق في الخسارة كعامل القراض ، وإن أشكل تجره لنفسه أو للبائع صدق ; لأنه أمين على ذلك ، وإن قال : أخرجت الثمن وضاع قبل الشراء لم يصدق ; لأنه متهم في إبراء ذمته . ولما يتجر فيه ثلاثة شروط : تعين الصنف ووجوده في الشتاء والصيف ، وإن يديره متصل التجر ، فإن اشترط تأخيره لتعسر الأسواق امتنع لعدم انضباط العمل ، ولو شرط التجارة في السنة مرتين امتنع ; لأنه لا يشترط منافع معينة يتأخر قبضها ، ولو استأجر أجيرا على عمل يعمل بعضه الآن وبعضه بعد أشهر امتنع ; لأن الشروع في القبض كقبض الجملة ، ويجوز اشتراط دخول الربح في التجر إن كان قدره في مثل ما جلس فيه للإدارة متقاربا . وإن كان متباينا امتنع ، وكذلك اشتراطهم جبر الخسارة وهي قدر يسير ، جاز ، وإلا امتنع ، وإن مات العامل قبل العمل وقيمة الإجارة مائة فأكثر ، والسلعة قائمة فهو شريك بقدر الإجارة ، ويخير المشتري بين الرضا بعيب الشركة أو الرد ، وإن كانت الإجارة الثلث فأقل رجع بقيمة ذلك عند باع نصف ثوب على أن يبيع له [ ص: 417 ] النصف الآخر ابن القاسم ، وشريك عند أشهب ، ويخير الورثة لدخول الشركة ، فإن فاتت السلعة اشترى القليل والكثير ، ويرجع عليهم فيما ينوب الإجارة . فإن مات بعد عمل نصف السنة كان قد صار للبائع جل الثمن المائة بنصف العمل ، فيختلف هل يرجع شريكا في الباقي أو القيمة على ما تقدم ؟ وتختلف قيمة الشهور لأنها اكتريت بالنقد الذي ينوب الأول أرخص والأخير أغلا كسلعة أسلم فيها ، وكذلك الجواب إذا مرض قبل العمل [ ص: 418 ] أو بعد بعضه ، وللبائع أخذ ماله إذا مضى بعض السنة ، وكان لا يرجى برؤه إلا بعد طول أو ضرر ، فإن برئ بعد رجوع المال عن قريب والبائع موسر أتى بمائة أخرى ، فإن عجز عن خلفها فسخت الإجارة ، قال ابن يونس : لو باع ثوبا بمائة على التجر في سنة فاستحق أحد الثوبين وهما متكافئان أو الأدنى لم ينتقض البيع ، وعليه التجر في ثمن الباقي في سنة لسلامة نصف الصفقة ، أو أكثرها ، وكذلك لو رد أحدهما بعيب .
فرع
في الكتاب : يجوز أن يبيع نصف سلعة لرجل على أن يبيعك نصفها الآخر بالبلد إن ضربت للبيع أجلا ; لأنها إجارة منك لذلك النصف إلا الطعام لأنه قد يستهلك فتكون إجارة وسلفا ، فإن باعك في نصف الأجل فله نصف الأجرة ، وإن وجد البيع بعد الأجل فله الأجرة كاملة ; لاستيفاء المنفعة ، وإن بيعت نصف هذه السلع على أن يبيع لك النصف ببلد آخر أو بهذا البلد ، ولم يضرب أجلا امتنع . لأنها إجارة مجهولة مع بيع ، فإن الوصول إلى ذلك البلد قد يتعذر ويختلف ، والأجل يطول وينقص ، وعن مالك في الأول : المنع ، وإن ضرب أجلا لأنه تحجير ، ولأنه إن لم يبع رجع عليه في النصف المبيع بما ينوب الإجارة ، فصار ثمن النصف مجهولا ، وكذلك إن باعه في نصف الأجل ، قال صاحب التنبيهات : ومنعه في كل ما يكال أو يوزن كالطعام ; لأنه إن باعه دون الأجل رجع في بعض ما باع فصار بيعا وسلفا وإجارة أيضا ; لأن هذا المحذور ما تعين ، وقيل : يمتنع فيه وفيما لا ينقسم ; لأن المشاع يتعذر عليه التصرف في المبيع ، وما ينقسم ويعرف بعينه يأخذ نصيبه منه متى شاء يجوز إذا ضرب أجلا ، وأجازه سحنون ابن حبيب فيما لا ينقسم وإن لم يضرب أجلا ، ومنعه فيما ينقسم ; لأنه كأنه اشترى منه نصف ذلك ، وجوزه في سائر الأشياء إلا في الطعام ; [ ص: 419 ] لأن السلف يكثر فيه ، وفي الموطأ : يجوز بيع نصف ثوب على أن يبيع لك النصف الآخر ، قال ابن كنانة : أحسبه يريد : ضرب أجلا أم لا ، في البلد أو غيره ، ويضرب له من الأجل قدر ما يباع إليه ، وعلى المذهب إذا ضرب أجلا للطعام وشرط عليه أن يباع لهذا النصف قبل الأجل جاءه بطعام آخر يبيعه إلى الأجل يجوز ، قال ابن كنانة ابن يونس : قال ابن القاسم : باعه نصف ثوب بعشرة على أن بيع له النصف الآخر شهرا ، فباعه في نصف الشهر : ينظر : كم قيمة بيعه شهرا وهو درهمان مثلا ، فقد باعه باثني عشر درهما ، فله سدس الصفقة ، فإذا انفسخ نصف الإجارة انفسخ نصف السدس من الصفقة فيرجع به هو ربع السدس من قيمة الثوب كله ، فيأخذه ثمنا نفيا لضرر الشركة إلا في المكيل والموزون ، فيرجع به في عينه لتيسير القسمة ، قال محمد : يمتنع البيع في المكيل والموزون للرجوع تارة بالثمن ، وتارة بغيره ، وعن ابن القاسم : إذا أجره شهرا بدرهم على أن يبيع له كل ما جاءه به ، فإن لم يجئه بشيء فله الدرهم : يمتنع الغرر .
وإن أجره على بيع دابته في إفريقية ، فإن هلكت انفسخت الإجارة : امتنع ، فإن شرط إن سافر في مثل ذلك بدابة أخرى إذا كان الأجل معلوما ، قال اللخمي : أبيعك نصف العبد على أن تبيع جميعه : يمتنع ، وإن ضرب أجلا ; لأنه تحجير على المشتري في البيع ، وأجازه ابن حبيب فيما لا ينقسم إذا ضربا أجلا ، ويمنع في المنقسم ; لأنه اشترى ثمن نصف ذلك حيث اشترط بيع جميعه ، قال ابن القاسم : أبيعك هذه السلعة وهي كثيرة إلى أجل كذا بكذا ، على أني متى شئت تركت : يجوز إذا لم ينقد لامتناع النقد في الخيار ، وهي إجارة لازمة لصاحب الثياب ، والخيار للعامل ، وله كلما مضى يوم بحسابه .
[ ص: 420 ] فرع
في النكت : بينكما مائة شاة استأجرته على رعايتها ، فعند ابن القاسم أجرته على خمسين ، فإن اقتسما فحصل لك أكثر من خمسين لم تلزمه رعاية الزائد ، أو أقل فلك إتمامها ، قال اللخمي : إذا شهدت العادة بصفة عمل أو مقدار ثمن جاز اعتمادا على العادة .
فرع
قال اللخمي : إن ، فإن جمع بينهما وهو يجهل الفراغ من ذلك العدد في ذلك الأجل امتنع للغرر ; لأنه قد يفرغ قبل الأجل ( فيخيط بقية الأجل ) فيزداد العمل ، أو يفضل العمل ويسبق الأجل فيقل العمل ، أو يقول : الأجل يقتضي استحقاق منفعة الأجير وامتناع العمل للغير ، وتعيين العمل ، يقتضي تعلق العقد بصفة الفعل فقط دون منافع الأجير ، له العمل للغير فالجمع بينهما متناقض ، ووافقنا الأئمة ، فإن كان الغالب فراغه في الأجل : فقيل : يجوز لعدم الغرر ، وقيل : يمتنع ; لأن الفراغ في نصف الأجل يسقط باقيه ، وهو خلاف الشرط ، فإن خاطه بعد الأجل سقط من المسمى ما يسقطه التأخير ، وقال عين في الخياطة عدد الثياب امتنع الأجل ، أو الأجل امتنع العدد عبد الملك : له أجرة المثل ; لأن هذا العمل غير معقود عليه .
فرع
في الكتاب : يمتنع استئجاره على طعام بينكما إلى بلد يبيعه به إن شرطت أن لا تميز حصتك قبل البلد ; لأن هذا الشرط يشعر بأن الأجرة للحمل [ ص: 421 ] وليقاسمك فيما يعرض للطعام من هلاك أو غيره ، فيكون المستأجر عليه غير معلوم ، وله أجرة المثل ، وإن كان له المقاسمة متى أحب جاز إن ضرب للبيع أجلا ، وإن أجرته على طحنه بشرط عدم القسمة قبل الطحن ، امتنع ، وإلا جاز ، وكذلك على رعاية الغنم المشتركة بينكما ، يمتنع الشرط ويجوز مع عدمه إذا شرط الإخلاف من حصتك ، قال غيره : إذا اعتدلت في القسم حتى يتعين عدد الحصة ، ويمتنع استئجاره على نسج غزل بينكما لعجزه عن بيع حصته قبل النسج ، قال اللخمي : اشتراطه ذكر الخلف في الغنم هو على أحد قوليه أن المستأجر له يتعين ، وعلى القول بعدم التعين الحكم للإخلاف ، وإن لم يشترط ، قال : وأرى إذا سكتا عن القسمة ، وبقاء الشركة : الجواز ; لعدم تعين المفسدة ، قال ابن يونس : يريد بضرب الأجل للبيع أي بعد الوصول للبلد ، ولا ينقده إجارة البيع ، وحمل ابن القاسم أمرهما في الغنم على الاعتدال في القسم ، وإنما واجره على نصف عددها ، فإن كانت مائة ووقع له في القسم أكثر من خمسين لم يلزم رعاية الزائد ، أو أقل فله الإتمام .