الخامس عشر : غلب على كتبة الحديث في قولهم ( حدثنا ) ، و ( أخبرنا ) غير أنه شاع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس . الاقتصار على الرمز
[ ص: 203 ] أما ( حدثنا ) فيكتب منها شطرها الأخير ، وهو الثاء والنون والألف . وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف . وأما ( أخبرنا ) فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولا .
وليس بحسن ما يفعله طائفة من كتابة ( أخبرنا ) بألف مع علامة حدثنا المذكورة أولا ، وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله .
وقد يكتب في علامة ( أخبرنا ) راء بعد الألف ، وفي علامة ( حدثنا ) دال في أولها . وممن رأيت في خطه الدال في علامة ( حدثنا ) ، الحافظ أبو عبد الله الحاكم ، وأبو عبد الرحمن السلمي والحافظ أحمد البيهقي ، رضي الله عنهم . والله أعلم .
فإنهم يكتبون عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته ( ح ) ، وهي حاء مفردة مهملة . وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر
ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها ، غير أني وجدت بخط الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني ، ، والفقيه المحدث والحافظ أبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري أبي سعيد الخليلي - رحمهم الله تعالى - في مكانها بدلا عنها ( صح ) صريحة . وهذا يشعر بكونها رمزا إلى ( صح ) . وحسن إثبات ( صح ) هاهنا ، لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول ، فيجعلا إسنادا واحدا .
[ ص: 204 ] وحكى لي بعض من جمعتني ، وإياه الرحلة بخراسان ، عمن وصفه بالفضل من الإصبهانيين أنها حاء مهملة من التحويل ، أي من إسناد إلى إسناد آخر . وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل المغرب ، وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها حاء مهملة إشارة إلى قولنا ( الحديث ) ، فقال لي : أهل المغرب - وما عرفت بينهم اختلافا - يجعلونها حاء مهملة ، ويقول أحدهم إذا وصل إليها ( الحديث ) .
وذكر لي : أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء مهملة ، وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة ( حا ) ويمر .
وسألت أنا الحافظ الرحال - رحمه الله - عنها ، فذكر أنها حاء من حائل أي تحول بين الإسنادين ، قال : ولا يلفظ بشيء عند الانتهاء في القراءة ، وأنكر كونها من ( الحديث ) وغير ذلك ، ولم يعرف غير هذا عن أحد من مشايخه ، وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته . أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي
قال المؤلف : وأختار أنا - والله الموفق - أن يقول القارئ عند الانتهاء إليها : ( حا ) ويمر ، فإنه أحوط الوجوه ، وأعدلها ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 205 ] السادس عشر : ذكر الخطيب الحافظ أنه ، وكنيته ونسبه ، ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه ، قال : وإذا كتب الكتاب المسموع فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه ، وتاريخ وقت السماع ، وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب ، فكلا قد فعله شيوخنا . ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه
قلت : كتبة التسميع حيث ذكره أحوط له ، وأحرى بأن لا يخفى على من يحتاج إليه ، ولا بأس بكتبته آخر الكتاب ، وفي ظهره ، وحيث لا يخفى موضعه .
وينبغي أن يكون ، ولا ضير حينئذ في أن لا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح ، وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب إذا كان موثوقا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه ، فطالما فعل الثقات ذلك . التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط
وقد حدثني بمرو ، عن أبيه ، عمن حدثه من الأصبهانية أن الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي ، قرأ عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده ببغداد جزءا على ، وسأله خطه ليكون حجة له . فقال له أبي أحمد الفرضي أبو أحمد : " يا بني ، عليك بالصدق ، فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد ، وتصدق فيما تقول ، وتنقل ، وإذا كان غير [ ص: 206 ] ذلك ، فلو قيل لك : ما هذا خط ، ماذا تقول لهم ؟ " . أبي أحمد الفرضي
ثم إن ، وبيان السامع ، ( والمسموع ) منه بلفظ غير محتمل ، ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه ، والحذر من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد . فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه ، لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه ، فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى . على كاتب التسميع التحري والاحتياط
ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه ، ومنعه من نقل سماعه ، ومن نسخ الكتاب ، وإذا أعاره إياه فلا يبطئ به ، روينا عن أنه قال : " إياك وغلول الكتب " ، قيل له : " وما غلول الكتب ؟ " قال : " حبسها عن أصحابها " . الزهري
وروينا عن رضي الله عنه أنه قال : " ليس من فعال أهل الورع ، ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل فيحبسه عنه ، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه " . وفي رواية : " ولا من فعال العلماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عليه " . فإن منعه إياه فقد روينا : أن رجلا ادعى على رجل الفضيل بن عياض بالكوفة سماعا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها ، فقال لصاحب [ ص: 207 ] الكتاب : " أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك ، وما كان بخطه أعفيناك منه " . حفص بن غياث
قال : " سألت ابن خلاد أبا عبد الله الزبيري عن هذا ، فقال : لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا ; لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه " . قال : وقال غيره " ليس بشيء " . ابن خلاد
وروى الخطيب الحافظ أبو بكر ، عن : أنه تحوكم إليه في ذلك ، فأطرق مليا ، ثم قال للمدعى عليه : " إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره ، وإن كان سماعه في كتابك بخط غيرك فأنت أعلم " . إسماعيل بن إسحاق القاضي
قلت : معدود في الطبقة الأولى من أصحاب حفص بن غياث أبي حنيفة ، وأبو عبد الله الزبيري من أئمة أصحاب الشافعي ، وإسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك ، وإمامهم ، وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك ، ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه . وقد كان لا يبين لي وجهه ، ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده ، فعليه أداؤها بما حوته ، وإن كان فيه بذل ماله ، كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها ، وإن كان فيه [ ص: 208 ] بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها ، والعلم عند الله تبارك وتعالى .
ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية . وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعا إلى شيء من النسخ ، أو يثبته فيها عند السماع ابتداء ، إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع ، كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة ، إلا أن يبين مع النقل ، وعنده كون النسخة غير مقابلة ، والله أعلم .