الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 522 - 527 ] باب الوصية للأقارب وغيرهم

                                                                                                        قال : ( ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة ) وهذا استحسان ، وقوله قياس ، لأن الجار من المجاورة وهي الملاصقة حقيقة ، ولهذا يستحق الشفعة بهذا الجوار ، ولأنه لما تعذر صرفه إلى الجميع يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق . وجه الاستحسان أن هؤلاء كلهم يسمون جيرانا عرفا وقد تأيد بقوله صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد }وفسره بكل من سمع النداء ، ولأن القصد بر الجيران واستحبابه ينتظم الملاصق وغيره ، إلا أنه لا بد من الاختلاط وذلك عند اتحاد المسجد وما قاله الشافعي رحمه الله : الجوار إلى أربعين دارا بعيد ، وما يروى فيه ضعيف ، قالوا : ويستوي فيه الساكن والمالك والذكر والأنثى والمسلم والذمي لأن اسم الجار يتناولهم ويدخل فيه العبد الساكن عنده لإطلاقه ولا يدخل عندهما لأن الوصية له وصية لمولاه وهو غير ساكن .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب الوصية للأقارب

                                                                                                        الحديث الأول : قال عليه السلام : { لا صلاة لجار المسجد ، إلا في المسجد }; قلت : روي من حديث أبي هريرة ; ومن حديث عائشة . فحديث أبي هريرة : رواه الدارقطني ، والحاكم في " المستدرك " كلاهما في " الصلاة " عن يحيى بن إسحاق عن سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لجار المسجد ، إلا [ ص: 528 ] في المسجد }انتهى . سكت الحاكم عنه ، قال ابن القطان في " كتابه " : وسليمان بن داود اليمامي ، المعروف بأبي الجمل ، ضعيف ، وعامة ما يرويه بهذا الإسناد ، لا يتابع عليه انتهى . وحديث جابر :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني أيضا عن محمد بن سكين الشقري عن عبد الله بن بكير الغنوي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر ، مرفوعا نحوه ، قال ابن القطان : ومحمد بن سكين الشقري مؤذن مسجد بني شقرة ، ذكره العقيلي في " الضعفاء " ، وقال ابن عدي : ليس بمعروف انتهى . وحديث عائشة :

                                                                                                        رواه ابن حبان " في كتاب الضعفاء " عن عمر بن راشد المحاربي عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة ، مرفوعا نحوه سواء ، قال ابن حبان : وعمر بن راشد المحاربي القرشي ، مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ، كان يضع الحديث على مالك ، وابن أبي ذئب ، وغيرهما ، لا يحل ذكره في الكتاب ، إلا على سبيل القدح ، فكيف الرواية عنه ؟ انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من طريق الدارقطني عن ابن حبان بسنده عن عمر بن راشد به ، وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أحمد بن حنبل : عمر بن راشد لا يساوي حديثه شيئا انتهى . وقال ابن حزم : هذا حديث ضعيف ، وهو صحيح من قول علي انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي أنه بلغه عن هشيم ، وغيره عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي أنه قال : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، قيل : ومن جار المسجد ؟ قال : من أسمعه المنادي ، انتهى . ورواه ابن أبي شيبة أيضا ، وينظر .

                                                                                                        الحديث الثاني : قال المصنف رحمه الله : وما قاله الشافعي : إن الجوار إلى أربعين دارا بعيد ، وما يروى فيه ضعيف ; قلت : روي مسندا ، ومرسلا . فالمسند فيه عن كعب بن مالك ; وأبي هريرة ; وعائشة . فحديث كعب :

                                                                                                        أخرجه الطبراني في " معجمه " عن يوسف بن السفر عن [ ص: 529 ] الأوزاعي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه ، قال { : أتى النبي صلى الله عليه وسلم . رجل ، فقال : يا رسول الله إني نزلت محلة بني فلان ، وإن أشدهم لي أذى أقربهم لي جوارا ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ، وعمر ، وعليا أن يأتوا باب المسجد فيقوموا عليه ، فيصيحوا : ألا إن أربعين دارا جوار ، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه ، }قيل للزهري : أربعين دارا ؟ قال : أربعين هكذا ، وأربعين هكذا انتهى . ويوسف بن السفر أبو الفيض فيه مقال . وحديث أبي هريرة :

                                                                                                        أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن عبد السلام بن أبي الجنوب عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : حق الجوار إلى أربعين دارا ، وهكذا وهكذا ، وهكذا وهكذا ، يمينا وشمالا ، وقدام وخلف }انتهى .

                                                                                                        وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " ، وأعله بعبد السلام بن أبي الجنوب ، وقال : إنه منكر الحديث انتهى .

                                                                                                        وحديث عائشة :

                                                                                                        أخرجه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي صفرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أوصاني جبرائيل عليه السلام بالجار إلى أربعين دارا ، عشرة من هاهنا ، وعشرة من هاهنا ، وعشرة من هاهنا ، وعشرة من هاهنا }انتهى . وقال : في إسناده ضعف . وأما المرسل :

                                                                                                        فرواه أبو داود في " المراسيل " حدثنا إبراهيم بن مروان الدمشقي حدثني أبي ثنا هقل بن زياد ثنا الأوزاعي عن يونس عن ابن شهاب الزهري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الساكن من أربعين دارا جار ، قيل للزهري : وكيف أربعون دارا ؟ قال : أربعون عن يمينه ، وعن يساره ، وخلفه ، وبين يديه }انتهى . وإبراهيم بن مروان هذا هو ابن محمد الطاطري ، وهو صدوق .




                                                                                                        الخدمات العلمية