والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات ذكرت رسالة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في الآية التي قبل هذه من قصة موسى عليه السلام استطرادا بحسب نظم الكلام ، ولكنها هي المقصودة بالذات من القصة ، ومن سائر قصص الرسل عليهم السلام ، ولما كان ذكرها في سياق القصة لدعوة أهل الكتاب إلى الإسلام ، وإقامة الحجة عليهم بذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كتبهم والبشارة برسالته على ألسنة أنبيائهم ، وبيان ما يكون لهم من الفلاح والفوز بالإيمان به ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتباعه ناسب أن يقفى على ذلك ببيان ، فقال عز وجل مخاطبا له صلواته وسلامه عليه : عموم بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعوة الناس كافة إلى الإيمان بالله تعالى وبه
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا هذا خطاب عام لجميع البشر من العرب والعجم وجهه إليهم محمد بن عبد الله النبي العربي الهاشمي بأمر الله تعالى ، ينبئهم به أنه رسول الله تعالى إليهم كافة لا إلى قومه العرب خاصة كما زعمت العيسوية من اليهود ، فهو كقوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ( 34 : 28 ) وقوله : وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ( 6 : 19 ) أي وأنذر به كل من بلغه من الثقلين ، فمن قال إنه [ ص: 256 ] يؤمن برسالته إلى العرب خاصة لا يعتد بإيمانه ; لأنه مكذب لهذه النصوص العامة القطعية مما جاء به ، وما في معناها كقوله تعالى : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( 25 : 1 ) وقوله : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( 21 : 107 ) وهو يشمل عقلاء الجن . وفي هذا المعنى أحاديث صحيحة ناطقة باختصاصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرسالة العامة كحديث جابر في الصحيحين وغيرهما ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وفي رواية " كافة " ، ورواه آخرون عن غيره بألفاظ أخرى ، ولما كانت الشفاعة على إطلاقها غير خاصة به ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذهب الجمهور إلى أن الخاص به أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة لجميع الخلق بفصل القضاء فيهم ومحاسبتهم ليعلم مستقر كل منهم ، وفي أحاديث الصحيحين وغيرهما أن أهل الموقف يرسلون الوفود إلى الشفاعة العظمى آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم السلام يطلبون منهم الشفاعة عند الله تعالى بفضل القضاء ، فيعترف كل منهم بأن هذا ليس من شأنه ويقول " لست هناكم " ويطلب النجاة لنفسه ويحيلهم على من بعده ، حتى إذا أحالهم عيسى على محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين أجابهم إلى طلبهم ، وقال : " أنا لها " وفي رواية " أنا صاحبكم " فيشفع في فصل القضاء بين الخلق فتقبل شفاعته . وقيل : إن المراد غير هذه الشفاعة . وقيل : ما يعمها وغيرها ، والروايات في الشفاعة متداخلة مضطربة ، ولسنا بصدد تحقيق القول فيها .