حظر اللواطة والعقاب عليها ومفاسدها
أجمع العلماء على أن لأن الله تعالى سماها فاحشة وخبيثة ، وقد وردت عدة أحاديث في لعن فاعلها عند اللواطة من كبائر المعاصي ، النسائي ، وصححه وابن حبان الطبراني والبيهقي وصحح بعضها الحاكم ، وهي على كل حال يؤيد بعضها بعضا في أمر قطعي بالنص معلوم من الدين بالضرورة ، وروى الترمذي ، ، وابن ماجه والحاكم من حديث مرفوعا : جابر بن عبد الله قوم لوط " صححه " إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل الحاكم وقال الترمذي : حسن غريب . ومن حديثه عند الطبراني وإسناده ضعيف ، وروى " إذا ظلم أهل الذمة كانت الدولة دولة العدو ، وإذا كثر الزنا كثر السباء ، وإذا كثر اللوطية رفع الله يده عن الخلق فلا يبالي في أي واد هلكوا " أحمد وغير من أصحاب السنن من طريق النسائي عكرمة ، عن مرفوعا ابن عباس قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " قال الحافظ " من وجدتموه يعمل عمل ابن حجر في التلخيص واستنكره ورواه النسائي ابن ماجه والحاكم من حديث وإسناده أضعف من الأول بكثير . ثم قال عن أبي هريرة ابن الطلاع في أحكامه تصحيح الحديث ورده بأن حديث لا يصح ، وأن أبي هريرة رواه من طريق ابن ماجه بلفظ عاصم بن عمر العمري وقال " فارجموا الأعلى والأسفل " عاصم متروك وحديث مختلف في ثبوته انتهى ملخصا . ولكن ابن عباس الشوكاني قال في حديث إن الحافظ قال : رجاله موثوقون إلا أن فيه اختلافا ، وأن الشيخين احتجا ابن عباس بعمرو بن أبي عمير الذي ضعف به [ ص: 461 ] ثم ذكر عبارة ابن الطلاع وتعقب الحافظ لها وأورد بعض الأخبار والآثار في ذلك ثم قال في أحكامها ما نصه :
" وقد اختلف أهل العلم في بعد اتفاقهم على تحريمه وأنه من الكبائر للأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله ( أي تواترا معنويا ) فذهب من ذكر من الصحابة ( يعني الذين استشارهم عقوبة الفاعل للواط والمفعول به أبو بكر في المسألة ) وعلي ( وهو منهم ) إلى أن حده القتل ولو كان بكرا سواء كان فاعلا أو مفعولا ، وإليه ذهب وابن عباس الشافعي والناصر والقاسم بن إبراهيم واستدلوا بما ذكره المصنف ( يعني صاحب المنتقى ) من حديث عكرمة عن في رجمه اللوطية ، وذكرناه في هذا الباب ، وهو بمجموعه ينتهض للاحتجاج به ، وقد اختلفوا في ابن عباس فروي عن كيفية قتل اللوطي علي أنه يقتل بالسيف ثم يحرق لعظم المعصية وإلى ذلك ذهب أبو بكر كما تقدم عنه ( أي عملا برأي علي في الشورى ) وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط ، وذهب إلى أنه يلقى من أعلى بناء في البلد ( أقول : والروايتان ضعيفتان وأهونهما الثانية لأن أبنيتهم كانت واطئة جدا ) وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل ، وقد حكى ابن عباس البغوي عن الشعبي والزهري ومالك وأحمد وإسحاق أنه يرجم ، ثم ذكر قول من قالوا : إن اللواطة كالزنا فحدهما واحد ، وبحث في تخصيص اللوطي بعقاب . وقفى عليه بقوله :
وما أحق مرتكب هذه الجريمة ، ومقارف هذه الرذيلة الذميمة ، بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ، ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين ، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين ، أن يصلى من العقوبة بما يكون من الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم ، وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم ، وذهب أبو حنيفة في قول له والشافعي والمرتضى والمؤيد بالله إلى أنه يعزر اللوطي فقط . ولا يخفى ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللوطي ، والأدلة الواردة في الزاني على العموم اهـ .
أقول : ومما قاله الحنفية في هذا التعزير أنه يكون بالجلد والحبس في أنتن بقعة ، وبالسجن حتى يموت أو يتوب . وقد تقدم في تفسير ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) ( 4 : 15 ) الآيتين " 15 ، 16 " أن أبا مسلم الأصفهاني فسر اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بالمساحقات - واللذان يأتيانها من الرجال باللائط والملوط به ، وأن الجلال قال : إنها في الزنا واللواط جميعا ، وبينا أن الأستاذ الإمام رجح قول أبي مسلم في الآيتين ، وهو يوافق قول من قالوا : إن عقاب اللواطة التعزير ، ولكن بما فيه إيذاء لا مطلقا ، فالتعزير يكون بالقول والفعل وبما فيه تعذيب وما لا تعذيب فيه ، [ راجع ص 355 - 360 ج 4 ط الهيئة ] .