وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها
والقول الثاني : أنها على أصلها ووجهوه بوجوه لا دليل عليها كقولهم : إنهما أقسما له أنهما يقبلان نصيحته إذا أقسم أنه ناصح : وقولهم : إنهما طلبا منه القسم فجعل طلبهما القسم كالقسم ، وإنما يعلم مثل هذا بالنقل عن المعصوم ، ولو قيل إنه هو الذي عرض عليهما أن يقسم لهما وطلب منهما أن يقسما له وبنى قسمه على ذلك لكان أقرب إلى المألوف .
( فدلاهما بغرور ) دلى الشيء تدلية - أرسله إلى الأسفل رويدا رويدا لأن في الصيغة معنى التدريج أو التكثير - أي فما زال يخدعهما بالترغيب في الأكل من الشجرة ، والقسم على أنه ناصح بذلك لهما به حتى أسقطهما وحطهما عما كانا عليه من سلامة الفطرة وطاعة الفاطر بما غرهما به ، والغرور الخداع بالباطل ، وهو مأخوذ من الغرة ( بالكسر ) والغرارة ( بالفتح ) وهم بمعنى الغفلة وعدم التجربة كما حققناه بالتفصيل في تفسير [ ص: 311 ] ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) ( 6 : 112 ) واستشهدنا عليه لآدم وحواء في مسألتنا وقيل : دلاهما حال كونهما متلبسين بغرور ، والأول أظهر . والظاهر أنهما اغترا وانخدعا بقسمه وصدقا قوله لاعتقادهما أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا ، واستنكر بعضهم أن يكونا صدقاه واستكبر أن يقع ذلك منهما ، وزعم أن تصديقه كفر ، ورجح هؤلاء أن يكون الغرور بتزيين الشهوة ، فإن من غرائز البشر حب التجربة واستكشاف المجهول ، والرغبة في الممنوع ، فجاء الوسواس نافخا في نار هذه الشهوات الغريزية مذكيا لها ، مثيرا للنفس بها إلى مخالفة النهي ، حتى نسي بخداع الشيطان آدم عهد ربه ، ولم يكن له من العزم ما يصرفه عن متابعة امرأته ، ويعتصم به من تأثير شيطانه ، كما قال تعالى في سورة طه : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) ( 20 : 115 ) وفي حديث في الصحيح " أبي هريرة حواء لم تخن أنثى زوجها " بناء على أنها هي التي زينت له الأكل من الشجرة ، والمراد أن المرأة فطرت على تزيين ما تشتهيه للرجل ولو بالخيانة له ، وقيل : إن ذلك بنزع العرق أي الوراثة . ولولا