قَوْلُهُ : ( عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506520قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ لِخَالِدٍ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ ؟ قَالَ : اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ ادْفَعْهُ إِلَيْهِ ، فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ ، فَقَالَ : هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاسْتُغْضِبَ ، فَقَالَ : لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي ؟ ) إِلَى آخِرِهِ ، هَذِهِ الْقَضِيَّةُ جَرَتْ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ . وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِلَ قَدِ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ ، فَكَيْفَ مَنَعَهُ إِيَّاهُ ؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : لَعَلَّهُ أَعْطَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْقَاتِلِ ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ تَعْزِيرًا لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=6201وَلِعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ لِكَوْنِهِمَا [ ص: 419 ] أَطْلَقَا أَلْسِنَتَهُمَا فِي خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَانْتَهَكَا حُرْمَةَ الْوَالِي وَمَنْ وَلَّاهُ .

الْوَجْهُ الثَّانِي : لَعَلَّهُ اسْتَطَابَ قَلْبَ صَاحِبِهِ فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ اسْتَطَابَةَ قَلْبِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْمَصْلَحَةِ فِي إِكْرَامِ الْأُمَرَاءِ .

قَوْلُهُ : ( فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ : لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ ) فِيهِ جَوَازُ nindex.php?page=treesubj&link=15039_15102الْقَضَاءِ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَنُفُوذِهِ ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ قَرِيبًا وَاضِحَةً .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( تَارِكُوا ) بِغَيْرِ نُونٍ ، وَفِي بَعْضِهَا ( تَارِكُونَ ) بِالنُّونِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، وَقَدْ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506521لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الْأُمَرَاءِ وَالرَّعِيَّةِ : ( فَصَفْوُهُ لَكُمْ ) يَعْنِي الرَّعِيَّةَ ( وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ ) يَعْنِي : عَلَى الْأُمَرَاءِ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : ( الصَّفْوُ ) هُنَا بِفَتْحِ الصَّادِ لَا غَيْرَ ، وَهُوَ الْخَالِصُ ، فَإِذَا أَلْحَقُوهُ الْهَاءَ فَقَالُوا : الصَّفْوَةُ ، كَانَتِ الصَّادُ مَضْمُومَةً وَمَفْتُوحَةً وَمَكْسُورَةً ثَلَاثُ لُغَاتٍ . وَمَعْنَى الْحَدِيثِ : أَنَّ الرَّعِيَّةَ يَأْخُذُونَ صَفْوَ الْأُمُورِ ، فَتَصِلُهُمْ أَعْطِيَاتُهُمْ بِغَيْرِ نَكَدٍ ، وَتُبْتَلَى الْوُلَاةُ بِمُقَاسَاةِ الْأُمُورِ ، nindex.php?page=treesubj&link=25637وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ عَلَى وُجُوهِهَا ، وَصَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا ، nindex.php?page=treesubj&link=7671وَحِفْظِ الرَّعِيَّةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ ، وَالذَّبِّ عَنْهُمْ ، وَإِنْصَافِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، ثُمَّ مَتَى وَقَعَ عَلَقَةٌ أَوْ عَتَبٌ فِي بَعْضِ ذَلِكَ تَوَجَّهَ عَلَى الْأُمَرَاءِ دُونَ النَّاسِ .

قَوْلُهُ : ( غَزْوَةُ مُؤْتَةَ ) هِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي طَرَفِ الشَّامِ عِنْدَ الْكَرْكِ .

قَوْلُهُ : ( وَرَافَقَنِي مَدَدِي ) يَعْنِي : رَجُلٌ مِنَ الْمَدَدِ ، وَالَّذِينَ جَاءُوا يَمُدُّونَ جَيْشَ مُؤْتَةَ وَيُسَاعِدُونَهُمْ .