الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1749 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأنا فيهم قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا ) هكذا هو في أكثر النسخ ( اثنا عشر ) وفي بعضها ( اثني عشر ) وهذا ظاهر ، والأول أصح على لغة من يجعل المثنى بالألف ، سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، وهي لغة أربع قبائل من العرب ، وقد كثرت في كلام العرب ، ومنها قوله تعالى : إن هذان لساحران .

                                                                                                                [ ص: 412 ] قوله : ( فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ، ونفلوا بعيرا بعيرا ) وفي رواية : ( ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا ) فيه إثبات النفل ، وهو مجمع عليه .

                                                                                                                واختلفوا في محل النفل هل هو من أصل الغنيمة أو من أربعة أخماسها أو من خمس الخمس ؟ وهي ثلاثة أقوال للشافعي ، وبكل منها قال جماعة من العلماء ، والأصح عندنا : أنه من خمس الخمس ، وبه قال ابن المسيب ومالك وأبو حنيفة - رضي الله عنهم - وآخرون ، وممن قال : إنه من أصل الغنيمة ، الحسن البصري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وآخرون ، وأجاز النخعي أن تنفل السرية جميع ما غنمت دون باقي الجيش ، وهو خلاف ما قاله العلماء كافة ، قال أصحابنا : ولو نفلهم الإمام من أموال بيت المال العتيد دون الغنيمة جاز ، والتنفيل إنما يكون لمن صنع جميلا في الحرب انفرد به . وأما قول ابن عمر - رضي الله عنه - : ( نفلوا بعيرا بعيرا ) معناه : أن الذين استحقوا النفل نفلوا بعيرا إلا أن كل واحد من السرية نفل ، قال أهل اللغة والفقهاء : الأنفال هي العطايا من الغنيمة غير السهم المستحق بالقسمة ، واحدها ( نفل ) بفتح الفاء على المشهور ، وحكي إسكانها .

                                                                                                                وأما قوله : ( فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا ) فمعناه : سهم كل واحد منهم ، وقد قيل : معناه : سهمان جميع الغانمين اثنا عشر ، وهذا غلط ، فقد جاء في بعض روايات أبي داود وغيره : أن الاثني عشر بعيرا كانت سهمان كل واحد من الجيش والسرية ، ونفل السرية سوى هذا بعيرا بعيرا .

                                                                                                                قوله : ( ونفلوا بعيرا بعيرا ) وفي رواية : ( نفلوا بعيرا فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية : [ ص: 413 ] ( ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا ) والجمع بين هذه الروايات أن أمير السرية نفلهم فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجوز نسبته إلى كل واحد منهما . وفي هذا الحديث استحباب بعث السرايا ، وما غنمت تشترك فيه هي والجيش إن انفردت عن الجيش في بعض الطريق ، وأما إذا خرجت من البلد ، وأقام الجيش في البلد ، فتختص هي بالغنيمة ولا يشاركها الجيش .

                                                                                                                وفيه إثبات التنفيل للترغيب في تحصيل مصالح القتال ، ثم الجمهور على أن التنفيل يكون في كل غنيمة ، سواء الأولى وغيرها ، وسواء غنيمة الذهب والفضة وغيرهما ، وقال الأوزاعي وجماعة من الشاميين : لا ينفل في أول غنيمة ولا ينفل ذهبا ولا فضة .




                                                                                                                الخدمات العلمية