قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4وكم من قرية أهلكناها كم للتكثير ; كما أن رب للتقليل . وهي في موضع رفع بالابتداء ، و أهلكنا الخبر . أي وكثير من القرى - وهي مواضع اجتماع الناس - أهلكناها . ويجوز النصب بإضمار فعل بعدها ، ولا يقدر قبلها ; لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله . ويقوي الأول قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح ولولا اشتغال " أهلكنا " بالضمير لانتصب به موضع " كم " . ويجوز أن يكون أهلكنا صفة للقرية ، و " كم " في المعنى هي القرية ; فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت " كم " يدل على ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=26وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا فعاد الضمير على " كم " على المعنى ; إذ كانت الملائكة في المعنى . فلا يصح على هذا التقدير أن يكون " كم " في موضع نصب بإضمار فعل بعدها .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4فجاءها بأسنا فيه إشكال للعطف بالفاء . فقال
الفراء : الفاء بمعنى الواو ، فلا يلزم الترتيب . وقيل : أي وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم . وقيل : إن الهلاك . واقع ببعض القوم ; فيكون التقدير : وكم من قرية أهلكنا بعضها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع . وقيل : المعنى وكم من قرية أهلكناها في حكمنا فجاءها بأسنا . وقيل : أهلكناها بإرسالنا ملائكة العذاب إليها ، فجاءها بأسنا وهو الاستئصال . والبأس : العذاب الآتي على النفس . وقيل : المعنى أهلكناها فكان إهلاكنا إياهم في وقت كذا ; فمجيء البأس على هذا هو الإهلاك . وقيل : البأس غير الإهلاك ; كما ذكرنا . وحكى
الفراء أيضا أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت ; فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها ; مثل : دنا فقرب ، وقرب فدنا ، وشتمني فأساء ، وأساء فشتمني ; لأن الإساءة والشتم شيء واحد .
[ ص: 148 ] وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر . المعنى - والله أعلم - انشق القمر فاقتربت الساعة . والمعنى واحد .
بياتا أي ليلا ; ومنه البيت ، لأنه يبات فيه . يقال : بات يبيت بيتا وبياتا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4أو هم قائلون أي أو وهم قائلون ، فاستثقلوا فحذفوا الواو ; قاله
الفراء . وقال
الزجاج : هذا خطأ ، إذا عاد الذكر استغني عن الواو ، تقول : جاءني زيد راكبا أو هو ماش ، ولا يحتاج إلى الواو . قال
المهدوي : ولم يقل بياتا أو وهم قائلون لأن في الجملة ضميرا يرجع إلى الأول فاستغني عن الواو . وهو معنى قول
الزجاج سواء ، وليس " أو " للشك بل للتفصيل ; كقولك : لأكرمنك منصفا لي أو ظالما . وهذه الواو تسمى عند النحويين واو الوقت . و
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4قائلون من القائلة وهي القيلولة ; وهي نوم نصف النهار . وقيل : الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن معها نوم . والمعنى جاءهم عذابنا وهم غافلون إما ليلا وإما نهارا . والدعوى الدعاء ; ومنه قول :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وآخر دعواهم . وحكى النحويون : اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك . وقد تكون الدعوى بمعنى الادعاء . والمعنى : أنهم لم يخلصوا عند الإهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين .
و دعواهم في موضع نصب خبر كان ، واسمها :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82إلا أن قالوا . نظيره
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ويجوز أن تكون الدعوى رفعا ، و أن قالوا نصبا ; كقوله تعالى : ( ليس البر أن تولوا ) برفع " البر " وقوله : ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء أن كذبوا ) برفع " عاقبة " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا كَمْ لِلتَّكْثِيرِ ; كَمَا أَنَّ رُبَّ لِلتَّقْلِيلِ . وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَ أَهْلَكْنَا الْخَبَرُ . أَيْ وَكَثِيرٌ مِنَ الْقُرَى - وَهِيَ مَوَاضِعُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ - أَهْلَكْنَاهَا . وَيَجُوزُ النَّصْبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ بَعْدَهَا ، وَلَا يُقَدَّرُ قَبْلَهَا ; لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ . وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَلَوْلَا اشْتِغَالُ " أَهْلَكْنَا " بِالضَّمِيرِ لَانْتَصَبَ بِهِ مَوْضِعُ " كَمْ " . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَهْلَكْنَا صِفَةً لِلْقَرْيَةِ ، وَ " كَمْ " فِي الْمَعْنَى هِيَ الْقَرْيَةُ ; فَإِذَا وَصَفْتَ الْقَرْيَةَ فَكَأَنَّكَ قَدْ وَصَفْتَ " كَمْ " يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=26وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا فَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَى " كَمْ " عَلَى الْمَعْنَى ; إِذْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي الْمَعْنَى . فَلَا يَصِحُّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ " كَمْ " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ بَعْدَهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4فَجَاءَهَا بَأْسُنَا فِيهِ إِشْكَالٌ لِلْعَطْفِ بِالْفَاءِ . فَقَالَ
الْفَرَّاءُ : الْفَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ ، فَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ . وَقِيلَ : أَيْ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْهَلَاكَ . وَاقِعٌ بِبَعْضِ الْقَوْمِ ; فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَا بَعْضَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَا الْجَمِيعَ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فِي حُكْمِنَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا . وَقِيلَ : أَهْلَكْنَاهَا بِإِرْسَالِنَا مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ إِلَيْهَا ، فَجَاءَهَا بَأْسُنَا وَهُوَ الِاسْتِئْصَالُ . وَالْبَأْسُ : الْعَذَابُ الْآتِي عَلَى النَّفْسِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَهْلَكْنَاهَا فَكَانَ إِهْلَاكُنَا إِيَّاهُمْ فِي وَقْتِ كَذَا ; فَمَجِيءُ الْبَأْسِ عَلَى هَذَا هُوَ الْإِهْلَاكُ . وَقِيلَ : الْبَأْسُ غَيْرُ الْإِهْلَاكِ ; كَمَا ذَكَرْنَا . وَحَكَى
الْفَرَّاءُ أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْتَ أَيُّهُمَا شِئْتَ ; فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ جَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا ; مِثْلُ : دَنَا فَقَرُبَ ، وَقَرُبَ فَدَنَا ، وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ ، وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي ; لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ وَالشَّتْمَ شَيْءٌ وَاحِدٌ .
[ ص: 148 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ . الْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - انْشَقَّ الْقَمَرُ فَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ . وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ .
بَيَاتًا أَيْ لَيْلًا ; وَمِنْهُ الْبَيْتُ ، لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ . يُقَالُ : بَاتَ يَبِيتُ بَيْتًا وَبَيَاتًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4أَوْ هُمْ قَائِلُونَ أَيْ أَوْ وَهُمْ قَائِلُونَ ، فَاسْتَثْقَلُوا فَحَذَفُوا الْوَاوَ ; قَالَهُ
الْفَرَّاءُ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : هَذَا خَطَأٌ ، إِذَا عَادَ الذِّكْرُ اسْتُغْنِيَ عَنِ الْوَاوِ ، تَقُولُ : جَاءَنِي زَيْدٌ رَاكِبًا أَوْ هُوَ مَاشٍ ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْوَاوِ . قَالَ
الْمَهْدَوِيُّ : وَلَمْ يَقُلْ بَيَاتًا أَوْ وَهُمْ قَائِلُونَ لِأَنَّ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرًا يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ فَاسْتُغْنِيَ عَنِ الْوَاوِ . وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ
الزَّجَّاجِ سَوَاءٌ ، وَلَيْسَ " أَوْ " لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّفْصِيلِ ; كَقَوْلِكَ : لَأُكْرِمَنَّكَ مُنْصِفًا لِي أَوْ ظَالِمًا . وَهَذِهِ الْوَاوُ تُسَمَّى عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَاوُ الْوَقْتِ . وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4قَائِلُونَ مِنَ الْقَائِلَةِ وَهِيَ الْقَيْلُولَةُ ; وَهِيَ نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ . وَقِيلَ : الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفُ النَّهَارِ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ . وَالْمَعْنَى جَاءَهُمْ عَذَابُنَا وَهُمْ غَافِلُونَ إِمَّا لَيْلًا وَإِمَّا نَهَارًا . وَالدَّعْوَى الدُّعَاءُ ; وَمِنْهُ قَوْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ . وَحَكَى النَّحْوِيُّونَ : اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دَعْوَى مَنْ دَعَاكَ . وَقَدْ تَكُونُ الدَّعْوَى بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ . وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَمْ يُخْلِصُوا عِنْدَ الْإِهْلَاكِ إِلَّا عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ .
وَ دَعْوَاهُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرِ كَانَ ، وَاسْمُهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82إِلَّا أَنْ قَالُوا . نَظِيرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى رَفْعًا ، وَ أَنْ قَالُوا نَصْبًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا ) بِرَفْعِ " الْبِرُّ " وَقَوْلِهِ : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَ أَنْ كَذَّبُوا ) بِرَفْعِ " عَاقِبَةُ " .