الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2365 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ، [ ص: 337 ] فقال أصحابه : وأنت ؟ قال : نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة } رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وقال سويد بن سعيد : يعني : كل شاة بقيراط وقال إبراهيم الحربي : قراريط : اسم موضع )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( على قراريط ) في رواية ابن ماجه { كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط } وكذا رواه الإسماعيلي وقد صوب ابن الجوزي وابن ناصر التفسير الذي ذكره إبراهيم الحربي لكن رجح تفسير سويد بأن أهل مكة لا يعرفون بها مكانا يقال له قراريط وقد روى النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال { : افتخر أهل الإبل والغنم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعث موسى وهو راعي غنم ، وبعث داود وهو راعي غنم ، وبعثت وأنا راعي غنم أهلي بجياد } وزعم بعضهم أن في هذه الرواية ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعين أنه أراد المكان ، فعبر تارة بجياد وتارة بقراريط

                                                                                                                                            وتعقب بأنه لا مانع من الجمع وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة ، وهم المراد بقوله أهل مكة ويؤيد تفسير سويد قوله : " على قراريط " فإن المجيء بعلى يدل على ما قاله ، ولا ينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية ، وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد

                                                                                                                                            قال العلماء : الحكمة في إلهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما سيكلفونه من القيام بأمر أمتهم ; لأن في مخالطتها ما يحصل الحلم والشفقة ; لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق ، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ، ألفوا من ذلك الصبر على الأمة ، وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها ، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج بذلك ، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها وفي الحديث دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم ، ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات




                                                                                                                                            الخدمات العلمية