[ ص: 348 ] فصل ( في ) . حكم التداوي مع التوكل على الله
يباح التداوي وتركه أفضل نص عليه قال في رواية المروذي : العلاج رخصة وتركه درجة أعلى منه ، وسأله في الرجل يمرض يترك الأدوية أو يشربها قال : إذا توكل فتركها أحب إلي . إسحاق بن إبراهيم بن هانئ
وذكر أبو طالب في كتاب التوكل عن رضي الله عنه أنه قال : أحب لمن عقد التوكل وسلك هذا الطريق ترك التداوي من شرب الدواء وغيره ، وقد كانت تكون به علل فلا يخبر الطبيب بها إذا سأله ، وقدمه أحمد ابن تميم وابن حمدان وهو قول وحكاه عمن حكاه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عبد البر { ابن عباس } متفق عليه ، وذكر بعضهم أن فيه : " هم الذين لا يرقون ولا يسترقون " وذكره بعضهم من رواية : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ، هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون وهو الصواب . مسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } رواه من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل وغيره وإسناده ثقات وصححه أحمد الترمذي . وروى سعيد ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عن مجاهد عبد الغفار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ ص: 349 ] { } إسناد جيد . : لم يتوكل من أرقى واسترقى
وقال سعيد : ثنا سفيان عن " عمرو بن دينار سمع يقول : سبقكم الأولون بالتوكل ، كانوا لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون فهم الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " عبيد بن عمير عبيد أدرك عمر وأبيا .
وقيل : بل فعله أفضل وبه قال بعض الشافعية ، وذكر في شرح أنه مذهب الشافعية وجمهور السلف وعامة الخلف ، وقطع به مسلم ابن الجوزي في المنهاج ، واختاره في الإفصاح قال : ومذهب الوزير بن هبيرة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب ، قال : ومذهب أبي حنيفة أنه يستوي فعله وتركه ، فإنه قال : لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه . وذكر مالك ابن هبيرة أن علم الحساب والطب والفلاحة فرض على الكفاية وقال في قوله : " لا يكتوون ولا يسترقون " ، قال : كانوا في الجاهلية يسترقى الرجل بالكلمات الخبيثة فيوهمه الراقي في ذلك ، وفي الكي أنهما يمنعانه من المرض أبدا ، فذلك الذي منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والحجامة سنة وهو أقوى دليل على فعل التداوي ، احتج أيضا بأنه لا يباح للرجل أن لا يداوي مغابنه من إبطيه ليقطع ضرر بخارهما عن الناس وعنه في نفسه كذا قال ، ولا أحسب هذا محل وفاق ولو كان فهو لا يرى وجوب التداوي ، قال : وكذلك لو حتى سال منه الدم فمات كان عاصيا لله تعالى قاتلا لنفسه ، ولا حجة له في هذا . ترك تارك جرحه يسيل دمه فلم يعصبه
وقال في حديث : وهو نحو حديث عمران المتقدم رواه ابن عباس يعني صلى الله عليه وسلم أنه لا يبلغ بهم الذهاب في التداوي إلى أن يكتووا وهو آخر الأدوية ويعني بقوله " ولا يسترقون " رقى الجاهلية ، فأما الاستشفاء بآيات القرآن فليس من هذا . مسلم
وقال في حديث { أبي هريرة } قال : فمن تداوى بنية أن يتبع في التداوي السنة ويدبر بدنه المودع عند الله بأصوب التدبير ، فهذا إيمان وتوفيق إن خطر بقلبه أو وسوس له الشيطان إذا لم يتداوى ربما يهلك ويوهمه الشيطان أنه يموت بغير أجله فيتداوى بهذا العزم [ ص: 350 ] فيكون كافرا ، كذا قال : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها الشيخ تقي الدين : ليس بواجب عند جماهير الأئمة إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي انتهى كلامه . وأحمد
وذكر الغزالي في كتابه فاتحة العلم : أن علم الطب فرض كفاية وإنه لا يجوز ترك المداواة ، وقد قال حرملة : سمعت يقول : شيئان أغفلهما الناس : العربية والطب . الشافعي
وقال الربيع : سمعت يقول : العلم علمان : علم الأديان ، وعلم الأبدان ; وذلك لأنه يجب عليه أو يستحب له أن يدافع عن نفسه إذا أريدت ، وأجيب بأن هناك يتحقق إحياء نفسه بذلك بخلاف هذا . الشافعي
وقال بعض أصحابنا : هو واجب ، زاد في الرعاية إن ظن نفعه . قال القاضي : روى أبو محمد الحسين بن محمد الخلال في كتاب الطب بإسناده عن عن عروة بن الزبير رضي الله عنها قالت : { عائشة العرب والعجم فيصفون له فنعالجه } . ورواه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه فكان يقدم عليه أطباء في المسند أحمد
: أن عروة كان يقول : " يا أمتاه لا أعجب من فقهك ، أقول : زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة لعائشة أبي بكر ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس ، أقول : ابنة أبي بكر ، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس ، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ومن أين هو قال : فضربت على منكبيه ، وقالت : أي عرية { العرب من كل وجه فكانت تنعت له الأنعات وكنت أعالجها ; فمن ثم علمت } . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره ، وكانت تقدم عليه وفود
وقد روى مالك وسعيد بإسناد حسن جيد عن والبيهقي : أنه اكتوى من اللقوة ، واسترقى من الحية . واللقوة : مرض يعرض للوجه فيميله إلى أحد جانبيه . ابن عمر
وروى أبو داود ثنا محمد بن عبادة بفتح العين الواسطي ثنا أنبأنا يزيد بن هارون عن إسماعيل بن عياش ثعلبة بن مسلم عن أبي عمران الأنصاري عن عن أم الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 351 ] { أبي الدرداء } ورواه : إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء ; فتداووا ، ولا تتداووا بحرام من طريق البيهقي أبي داود ، وهذا إسناد حسن وثعلبة شامي إذا روى عن وابن عياش الشاميين كان حجة عند الأكثرين . من حديث ولأحمد { أنس } قيل : معنى أنزل الله الداء والدواء وخلقهما لهذا الخبر . وقيل : إعلام الناس به ، وهذا ضعيف لقوله عليه السلام فيما رواه : إن الله حيث خلق الدواء فتداووا وغيره من حديث أحمد ومن حديث ابن مسعود أسامة بن شريك { } : علمه من علمه وجهله من جهله
وقيل : أنزلها مع الملائكة الموكلين بمباشرة الخلق ، وقيل : أنزل المطر ليولدهما عنه أو من الجبال ، ودخل غيرهما تبعا ، وهذا من حكمة الله كما هو شائع أنه سبحانه إذا ابتلى أعان فابتلى بالداء وأعان بالدواء ، وابتلى بالذنب وأعان بالتوبة ، وابتلى بالأرواح الخبيثة الشياطين ، وأعان بالأرواح الطيبة الملائكة ، وابتلى بالمحرمات وأعان بإباحة نظيرها .
وعن أسامة بن شريك قال : { الأعراب : يا رسول الله ألا نتداوى ؟ قال : نعم عباد الله تداووا ; فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحدا قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : الهرم } رواه قالت أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه . وعن عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال { } . مرسل رواه غير واحد من الأئمة . : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على مريض ليعوده فقال : أرسلوا إلى الطبيب فقال قائل : وأنت تقول ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم إن الله لم ينزل داء إلا جعل له دواء