ثم أولئك كما فعلت منهم من يجعل النفي لما أثبته الرسول من الصفات والكلام وغير ذلك، هو غاية المعرفة والتحقيق والتوحيد، الجهمية المحضة.
ومنهم من يجعل كثيرا مما أحدث من الكلام لازما لسالك الطريق، حتى يعرف مطلوبه بالدليل النظري، وبعدة أمور أخرى.
وبعضهم يجعل من وقع في شيء من ذلك ملحدا خارجا عن الدين.
والتحقيق: أن هذا أمر يعرض لبعض الناس، فقد يحتاج بعض الناس لشبهة عرضت له إلى ما يزيلها عنه، وقد يحتاج في بعض الأمور إلى دليل معين، وقد يقع كثير منهم في بعض البدع المحدثة. [ ص: 197 ]
فهذه عوارض تعرض للسالكين، واللازم للناس طاعة الرسول بما أخبر، وطاعته فيما أمر، وأخذ ذلك من الطرق التي شرعها وبينها، كما كان عليه الصحابة. فلا أحد أعلم بالدين ولا أتبع له منهم، وليس من القرون أعلم بالله من قرنهم، وبما يستحقه من الأسماء والصفات له نفيا وإثباتا.
ثم إنه قد يعرض لبعض من اتبع الكلام المحدث والتصوف المحدث أن صار إلى طريق أهل الإلحاد، وقال بالحلول والوحدة والاتحاد.
فإنهم أخذوا نفي الجهمية في الصفات والفناء الذي أخذته بعض الصوفية من العبادات، فكانوا فيه حائرين، وإلى اتباع شهوات أنفسهم صائرين.