فأما رؤية القلب -وهو شهود أهل المعرفة- فهذا موجود في الدنيا لغير النبي صلى الله عليه وسلم كلما ولي، وكذلك رؤية المنام، لكنه فإن رؤية المنام تقتضي ذلك. وأما الأحاديث التي فيها: سبحانه يرى في صور بحسب حال الرائي، فهذه كانت في المنام، فإن هذه لم تكن ليلة المعراج لأنها كانت "رأيت ربي في صورة كذا وكذا، فوضع [ ص: 407 ] يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري" بالمدينة، فإن فيها أنه احتبس عنهم في صلاة الفجر، ورواها معاذ بن جبل وأم الطفيل وغيرهما ممن لم يصل خلفه إلا في المدينة، والمعراج كان بمكة بنص القرآن وبالسنة المتواترة والإجماع، ولم يقل أحد: إنه رآه بالمدينة.
فأما الأحاديث التي روي فيها أنه رآه في سكك المدينة أو في الطواف أو في عرفة فكلها موضوعة مكذوبة.
والغرض هنا أنه لم يقل قط إن الله عرض نفسه على معلوماته أو مخلوقاته، ولا إنه تجلى لمعلوماته أو لجميع مخلوقاته، بل مسلم: موسى قد سأل الرؤية فقال: لن تراني ، وقال: ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا . فإذا كان موسى عليه السلام عجز عن [ ص: 408 ] رؤيته في هذه الدار، والجبل جعله دكا لما تجلى له، وقوله: فلما تجلى ربه للجبل يدل على أنه لم يكن متجليا له قبل ذلك، فكيف يقال: إنه عرض نفسه أو تجلى للكلاب والخنازير والقرود والديدان والكفار والمنافقين والجن والشياطين؟ كما قال: "عرض نفسه على الحقائق الكونية المعدومة في نفسها المشهودة أعيانها في علمه"، فإن علمه محيط بكل شيء مما ذكر ومما لم يذكر، فإن كان قد عرض نفسه على ذلك كله فقد لزم ما ذكر من الكفر الفاحش وما هو أفحش منه.