المسألة الثالثة
أن من لا تكليف عليه -بل قد رفع عنه القلم- هل يعذب في الآخرة؟
وهنا فمن قال من أصحابنا وغيرهم: إنهم يعذبون تبعا لآبائهم، قال بعذاب غير المكلف تبعا؟ ومن قال: يدخلون الجنة من أصحابنا وغيرهم، قال بتنعيمهم. مسألة أطفال المشركين،
والصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة أنهم لا يعذبون جميعهم ولا ينعمون جميعهم، بل فريق منهم في الجنة وفريق في السعير كالبلغ. وهذا مقتضى نصوص فإن أكثر نصوصه على الوقف فيهم، بمعنى أنه لا يحكم لأحد منهم لا بجنة ولا بنار، فدل على جواز الأمرين عنده في حق المعين منهم. وأما تجويز الأمرين في حق مجموعهم فلا يلزمه، وهذا قول أحمد، وغيره. الأشعري
وبهذا أجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ، فبين أن الأمر مردود إلى علم الله بما كانوا يعملون لو بلغوا. [ ص: 234 ] سئل عنهم فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في البخاري أنه رأى حول إبراهيم عند الجنة أطفال المسلمين والمشركين. وثبت عنه في صحيح مسلم الخضر طبع يوم طبع كافرا، مع أنه قتل قبل الاحتلام. قال أن الغلام الذي قتله ابن عباس لنجدة الحروري لما سأله عن قتل الغلمان، فقال: إن كنت تعلم منهم ما علمه الخضر من الغلام الذي قتله فاقتلهم، وإلا فلا تقتلهم. هذا مع أن أبويه كانا مؤمنين. وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليصاب من صبيانهم، فقال: "هم منهم".
ويجوز وكذلك المجنون والبهيمة. فقد يجوز قتل الصبي في بعض المواضع. وحديث قتل الصبي إذا قاتل، وإذا صال ولم تندفع صولته إلا بالقتل، في قولها: عائشة فإن الله خلق للجنة أهلا، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم" عائشة؟! . عصفور من عصافير الجنة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أو غير ذلك يا
ولهذا قال أصحابنا: لا يشهد لأحد بعينه من أطفال المؤمنين أنه في الجنة، ولكن يطلق القول: إن أطفال المؤمنين في الجنة.
وقد روي بأحاديث حسان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من لم يكلف في [ ص: 235 ] الدنيا من الصبيان والمجانين، ومن مات في الفترة- يمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. وهذا التفصيل هو الصواب، فإن الله قال في القرآن: لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ، فأقسم سبحانه أنه لا بد أن يملأ جهنم من إبليس وأتباعه، وأتباعه هم العصاة، ولا معصية إلا بعد التكليف، فلو دخلها الصبي والمجنون لدخلها من هو من غير أتباعه، فلم تمتلئ منهم.
وأيضا فقد قال سبحانه: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، وقال سبحانه: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وقال سبحانه: كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير الآية ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن الله لا يعذب إلا من جاءه نذير وأتاه رسول، والطفل والمجنون ليسا كذلك كالبهائم.
وقال تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم إلى قوله: إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون .
فأخبر سبحانه أنه استخرج ذرياتهم، وأشهدهم على أنفسهم، لئلا يقولوا: أتهلكنا بما فعل المبطلون، فعلم أنه لا يعاقبهم بذنب غيرهم.