وأما فهذا منهي عنه من وجهين: قراءة القرآن في الأسواق والجباية على ذلك
أحدهما: من جهة قراءته لمسألة الناس، ففي الحديث: . [ ص: 138 ] "اقرأوا القرآن واسألوا به الله قبل أن يجيء أقوام يقرأونه يسألون به الناس"
والثاني: من جهة ما في ذلك من ابتذال القرآن بقراءته لمن لا يستمع إليه ولا يصغي إليه.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - "إن الميت يعذب ببكاء أهله، فهذا حديث صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية ومن نيح عليه يعذب بما يناح عليه" وابنه عمر بن الخطاب وغيرهم ، ولكن أشكل معناه على طوائف حتى تفرقوا فيه: والمغيرة بن شعبة
فمنهم من طعن فيه؛ وظن أن راويه لم يحفظه، كما قالت ومن معها، عائشة في كتاب "مختلف الحديث" . ثم روت كالشافعي لفظين: أحدهما مناسب معناه، وهو قوله: عائشة وجعلوا الموجب لضعفه قوله تعالى: "إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه"، ولا تزر وازرة وزر أخرى .
وأما جماهير السلف والخلف فعلموا أن مثل هذا التأويل لا يصلح أن يرد به أحاديث ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كانوا من صغار الصحابة كجابر فكيف بما يرويه وأبي سعيد، ونحوه؟ وذلك أن قوله عمر ولا تزر وازرة وزر أخرى إنما فيه أن المذنب لا يحمل ذنبه غيره، وهذا حق لا يخالف معنى الحديث، فإن الحديث ليس فيه أن الميت يحمل ذنب الحي، بل الحي النائح يعاقب على نياحته عقوبة لا يحملها عنه الميت، كما دل على ذلك القرآن. وأما كون الميت يتألم [ ص: 139 ] بعمل غيره فهذا شيء آخر، كما أنه ينعم بعمل غيره لشيء آخر لا ينافي قوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .
ومن الناس من تأول على ما إذا لم ينه عنه مع اعتيادهم له، فيكون ذلك إقرارا للمنكر يعذب عليه. وهؤلاء ظنوا أن عذاب الميت عقوبة، والعقوبة لا تكون إلا على ذنب، فاحتاجوا أن يجعلوا للميت ذنبا يعاقب عليه، وليس كذلك، بل العذاب قد يكون عقابا على ذنب، وقد لا يكون. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: . "السفر قطعة من العذاب"
والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: إنه يعاقب، بل يعذب.
وقد جاء ذلك مفسرا، كما رواه في صحيحه عن البخاري قال: أغمي على النعمان بن بشير فجعلت أخته تبكي واجبلاه! واكذا واكذا! تعد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا وقد قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه. عبد الله بن رواحة،
وعن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي موسى رواه الإمام "إن الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة: واعضداه! واناصراه! واكاسياه! جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسيها؟ ". في المسند . أحمد
وروى عن الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي موسى قال "ما من [ ص: 140 ] ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه! واسنداه! أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا أنت؟ ". حديث حسن غريب. الترمذي:
وفي سنن أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لنسوة في جنازة: "ارجعن مأزورات غير مأجورات، فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت".
فهذا ونحوه هو والحي في الدنيا قد يعذب بما يراه ويسمعه ويشمه من أمور منفصلة عنه، وهو التعذيب الذي يلحق من جنس سائر ما يلحقه من هول الفتنة والضغطة وهول القيامة وغير ذلك من أنواع الآلام. والكلام في هذا مبسوط في غير هذا الموضع . تعذيب الميت بالنياحة.