[ ص: 190 ] وكثير مما يدعونه في الناسخ لا يعلمون أنه قيل بعد المنسوخ.
فهذا ونحوه من دفع النصوص البينة الصريحة بلفظ مجمل أو قياس هو مما كان ينكره أحمد وغيره.
وكان يقول: " أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس" . وقال: "ينبغي للمتكلم في الفقه أن يجتنب هذين الأصلين: المجمل والقياس" . ومراده أنه لا يعارض بهما ما ثبت بنص خاص، ولا يعمل بمجردهما قبل النظر في النصوص والأدلة الخاصة المقيدة. والمطلق يدخل في كلامه وكلام غيره من الأئمة أحمد وغيره في المجمل، لا يريدون بالمجمل مالا يفهم معناه كما يظنه بعض الناس، ولا مالا يستقل بالدلالة، فإن هذا لا يجوز الاحتجاج به بحال. [ ص: 191 ] كالشافعي
وأما إذا جاء نصان بحكمين مختلفين في صورتين وثم صور مسكوت عنها؛ فهل يقال: القياس هو مقتضى أحد النصين؟ فما سكت عنه نلحقه به وإن لم نعرف المعنى الفارق بينه وبين الآخر.
فهذا هو الاستحسان الذي تنوزع فيه، فكثير من الفقهاء يقول به، كأصحاب وكثير من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم. وهذا هو الذي ذكره أحمد القاضي بقوله : "اعتراض النص على قياس الأصول ". وهو في الحقيقة قول كما تقدم. بتخصيص العلة
ومن لم يجوز تخصيصها إلا بفارق بين صورة التخصيص وغيرها يقول: لابد أن يعلم الجامع أو الفارق، فليس إلحاق المسكوت بأحد النصين بأولى من إلحاقه بالآخر. وإذا علم المعنى في أحد النصين ولم يعلم في الآخر، وجاز أن يكون المسكوت عنه في معنى هذا ومعنى هذا لم يلحق بواحد منهما إلا بدليل. وإذا علم المعنى في أحد النصين ووجوده في المسكوت عنه، ولم يعلم المعنى في الآخر فهذا أقوى من الذي قبله، فإنه هنا قد علم مقتضى القياس الصحيح وشموله لصورة المسكوت. وأما وجود الفارق فيه فمشكوك فيه.
وهذا نظير أخذ بالنصوص الواردة في سجود سهو، [ ص: 192 ] فما كان منها قبل السلام أخذ به، وما كان بعد السلام أخذ به، وما لم يجئ فيه نص ألحقه بما قبل السلام، لأنه القياس عنده . أحمد