[ ص: 432 ] * الأصل السابع: أن وهو معدود من أفضل أعمال الصحابة الصالحة رضي الله عنهم. الأذى على الجهاد هو أفضل من الأذى على غيره من الأعمال،
فإذا كان الجهاد أعظم قدرا كان الأذى الحاصل به أفضل قدرا من الأذى بما دونه، وكلما كان الجهاد أكثر كان أفضل، والأذى فيه كلما كان أشد وأكبر كان ذلك أفضل، وكان نعمة الله به أعظم وأكبر.
ولهذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأحوال، ونعمة الله عليه أكمل من نعمته على غيره، كان جهاده من حين أمر بتبليغ الرسالة إلى أن مات صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد؛ فإنه كان من قبل أن يفرض القتال أمر بالجهاد باللسان، كما قال تعالى: فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا [الفرقان: 52]، والآية في سورة الفرقان، وهي مكية باتفاق العلماء.
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ ص: 433 ] «إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت: يا رب، إذا يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة، فقال: إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظانا، فابعث جندا أبعث مثليهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق أنفق عليك».
وهو صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة، وكان يؤذى هو وأصحابه، وهو أذى على تبليغ الرسالة والإيمان بالله ورسوله، وهذا أفضل أنواع الأذى على الإطلاق؛ فإن الجهاد باليد تبع لهذا.
وكان أذاه أنواعا متنوعة، وكان ذلك أفضل في حقه، وكان نعمة الله عليه بذلك أعظم.
ولكن هذه النعمة لا يذوق المنعم عليه طعمها إلا بعد أن يصبر، وهكذا كل نعمة بمصيبة لا يوجد فيها لذة يؤمر صاحبها بالصبر، والنعمة قد تعلم ولا تذاق، وقد تذاق مع ذلك، والحمد لله على كل حال.
* * *