وأيضا فإذا باعوه قبل القبض بربح فقد يندم البائع أو يستقيل أو يسعى في فسخ العقد ، فإذا صار في قبضة التاجر أمن من ذلك ، ولم يكتف في الصبرة إلا بنقلها إلى رحالهم . وأما غير التاجر فإنه إنما [ ص: 307 ] يشتري الشيء لينتفع به ، لا يشتريه للتجارة ، وإن بدا له فيما بعد أن يبيعه لم يقصد أن يبيعه بربح ، وإن قصد ذلك فهو تاجر . والنهي إنما كان لمن يربح في السلعة ، وهو التاجر في أحد القولين .
ولهذا جوز فيه الشركة والتولية قبل القبض ، فإنه لا ربح فيه ، بل هو يبيعه بمثل الثمن ، كأخذ الشفيع الشفعة بمثل الثمن ، وكذلك جوز بيعه من صاحبه بمثل الثمن قبل القبض . مالك
وهذا هو الصحيح ، فإن النهي إنما كان للتاجر الذي يربح ، ، ويعمل فيها عملا من أعمال التجارة ، إما بنقلها إلى مكان آخر ، كالذي يشتري في بلد ويبيع في آخر ، وإما حبسها إلى وقت آخر . وأقل ما يكون قبضها ، فإن القبض عمل ، فأما مجرد التخلية في المنقول فليس فيها عمل . وهل تكون التخلية قبضا في المنقول ؟ فيه روايتان عن فلا يبيع بربح حتى يصير في حوزته ، إحداهما : [تكون] قبضا ، كقول أحمد . أبي حنيفة
وقد ، ولا تبع ما ليس عندك . قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن : حديث صحيح . ولما سأله الترمذي أنهم يبيعون بالبقيع بالذهب ويقبضون الورق ، ويبيعون بالورق ويقبضون الذهب ، فقال : «لا بأس إذا كان بسعر يومه » . فلم يجوز بيع الدين ممن هو عليه بربح ، [ ص: 308 ] فإنه يربح فيما لم يضمن ، فإنه لم يقبضه ولم يصر في ضمانه ، والربح إنما يكون للتاجر الذي نفع الناس بتجارته ، فأخذ الربح بإزاء نفعه ، فلم يأكل أموال الناس بالباطل . ولهذا لما قال تعالى : ابن عمر يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [النساء :29] ، وهذا استثناء منقطع ، فإن ربح التجارة ليس أكلا بالباطل ، بل بحق ، وهو نفع التاجر للناس ، فإذا كان له دين وباعه من المدين بربح فقد أكل هذا الربح بالباطل ، إذا كان لم يضمن الدين ولم يعمل فيه عملا .