[ ص: 258 ] ، وأن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة عامة للخلق [أعم] من إنزال المطر وإطلاع الشمس ، وإن حصل بهذه الرحمة تضرر بعض النفوس . والحق الذي يجب اعتقاده أن الله سبحانه إنما أرسل رسوله رحمة للعالمين
ثم إنه سبحانه وتعالى كما قال وغيره من السلف : لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليه ، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به ، بل أمرهم بما فيه صلاحهم ، ونهاهم عما فيه فسادهم . وفي الحديث الصحيح حديث قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم : أبي ذر » . «يقول الله تعالى : يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط غمسة واحدة ، يا عبادي! إنما [ ص: 259 ] هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
وقد قال تعالى في وصف النبي الأمي : يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم [الأعراف :157] . وقال تعالى لما ذكر الوضوء : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون [المائدة :6] . فأخبر أنه لا يريد أن يجعل علينا من حرج فيما أمرنا به ، وهذا نكرة مؤكدة بحرف «من » ، فهي تنفي كل حرج ، وأخبر أنه إنما يريد تطهيرنا وإتمام نعمته علينا .
وقال في الآية الأخرى : وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم [الحج :78] . فقد أخبر أنه ما جعل علينا في الدنيا من حرج نفيا عاما مؤكدا .
فمن اعتقد أن فيما أمر الله به مثقال ذرة من حرج فقد كذب الله ورسوله ، فكيف بمن اعتقد أن المأمور به قد يكون فسادا وضررا لا منفعة فيه ولا مصلحة لنا . ولهذا لما لم يكن فيما أمر الله به ورسوله حرج علينا لم يكن الحرج في ذلك إلا من النفاق ، كما قال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا [ ص: 260 ] في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [النساء :65] . وقال فيما أمر به من الصيام : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [البقرة :185] . فإذا كان لا يريد فيما أمرنا به ما يعسر علينا ، فكيف يريد ما يكون ضررا وفسادا لنا بما أمرنا به إذا أطعناه فيه ؟