وقد ذكرنا أنه ذكر من أول السورة : القيامة والنفس جميعا ، وقد أقسم بهما ، كما روى عن ابن المنذر الحسن بن مسلم عن ، وفي رواية عن سعيد بن جبير عن سعيد بن جبير قال : ابن عباس لا أقسم بيوم القيامة قال : يقسم ربكم بما شاء من خلقه .
وعن الحسن البصري وسعيد أيضا : لا أقسم بيوم القيامة قال : أقسم .
وكذلك عن ، قال : مجازه : أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوامة . أبي عبيدة
وأما فقد فسرت بأنها التي تلام وأنها التي تلوم ، [ ص: 125 ] وذلك أن صيغة «فعال » قد تكون للنسبة والإضافة ، كما يقال : حداد ونجار وخباز وتمار ولبان وخياط ، أي صاحب كذا ، فإذا قيل : «لوام » بهذا الاعتبار كان معناه صاحب لوم كثير ، واللوم مصدر يضاف إلى الفاعل تارة وإلى المفعول أخرى . النفس اللوامة
وقد تكون صيغة «فعال » توكيد فاعل ، كعلام وضراب وأكال ونحو ذلك ، ومنه النفس الأمارة .
ولفظ «الفاعل » أيضا يكون للنسبة ، كتامر ولابن ، وعلى هذا فما يقال : إن «فاعل » يكون بمعنى المفعول ، مثل ماء دافق [الطارق :6] ونحوه ، قد يقال : إنه من هذا الباب بمعنى النسبة والإضافة .
ففي تفسير ابن أبي طلحة الوالبي عن قوله : ابن عباس اللوامة يقول : مذمومة .
ومن حديث شيبان عن : قتادة لا أقسم بيوم القيامة قال : يقسم الله بما شاء من خلقه ، ولا أقسم بالنفس اللوامة الفاجرة ، قال : يقسم بها .
وروى من حديث ابن المنذر سماك عن عكرمة عن : النفس اللوامة التي تلوم على الخير ، تقول : لو فعلت كذا وكذا . [ ص: 126 ] ابن عباس
وعن عن قرة بن خالد : الحسن ولا أقسم بالنفس اللوامة قال : إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه : ما أردت بكلمتي ، ما أردت [بأكلتي] ، ما أردت بحديثي نفسي ، ولا تراه إلا يعاتبها ، وإن الفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه .
وعن ابن ثور عن عن ابن جريج في قوله : مجاهد بالنفس اللوامة قال : تندم على ما فات وتلوم عليه .
وبه عن عن ابن جريج عن سعيد بن جبير مثل ذلك . وهذا صحيح متصل عنه موافق لرواية ابن عباس ، وكل منهما أصح من رواية عكرمة الوالبي ، فإنها منقطعة ، إذ الوالبي لم يسمع من . ابن عباس
قلت : وعلى هذا فاللوامة نحو الندامة والتوابة ، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وهذا لا ينافي القول الأول ، فإنها مذمومة قبل الندم بذمها وندمها ، ملومة على ذلك ، وهي ممدوحة بعد توبتها ولومها لنفسها . وفي مسند الإمام عن أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : علي » . [ ص: 127 ] «إن الله يحب العبد المفتن التواب
وقد قيل : اللوم في الآخرة . روى عن ابن المنذر عن إسماعيل بن أبي خالد أبي صالح في قوله : ولا أقسم بالنفس اللوامة قال : ما من أحد إلا وهو لائم نفسه يوم القيامة ، محسن لا يكون زاد في إحسانه ، ومسيء لا يكون أقلع عن سيئاته ، مما يرى من عظم عقوبة الله .
والآية قد تتناول هذا المعنى ، وهذه صفة لازمة للنفس ، فإنها لا بد أن تأتي ما تلام عليه ، ولا بد أن تلوم نفسها ، فإن لم يتب وإلا لام نفسه في الآخرة ، مع أن كل امرئ لا بد أن يلوم نفسه في الدنيا ولو لم يكن تائبا إلى الله ، إذ قد يفعل ما يندم عليه كما ندم ابن آدم القاتل على ترك دفن أخيه وإن لم يندم على قتله .
وكونها لوامة قبل كونها أمارة ، وكثير من المتصوفة ونحوهم يجعل هذا في حال وهذا في حال ، ويجعل الحال الثالثة أنها مطمئنة ، ويقول : ، فالنفس المنتقلة إلى الحال الثالثة تتصف بالأوصاف الثلاثة ، وأما غيرها فقد لا تكون مطمئنة . النفوس ثلاثة بهذا الاعتبار : أمارة ولوامة ومطمئنة
والتحقيق : أن كونها أمارة ليس بملام لها ، فإن الله إنما أخبر عمن أخبر عنه أنه قال : إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي [يوسف :53] ، فالنفس التي رحمها ربي ليست أمارة بالسوء ، فالأمارة خاص ، [ ص: 128 ] وكذلك المطمئنة خاص . وأما اللوامة فعند هؤلاء هي أيضا خاص ببعض النفوس . والتحقيق : أن اللوامة إذا كانت بمعنى التوابة فكل أحد تواب إلى الممات ، فتكون النفس أبدا لوامة ، وإذا لم تكن لوامة فهي تلام وتلوم في الآخرة وفي الدنيا أو الدين ، فكل نفس لوامة ، ولهذا جاءت معرفة بقوله : ولا أقسم بالنفس اللوامة . [ ص: 129 ]