الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب السابع: الوصية لوارث وأجنبي

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: إذا أوصى لوارث وأجنبي، ولا وارث له غير الموصى له :

        مثل: الوصية لابنه وزوجة ابنه، والوصية لابنته وزوجها.

        [ ص: 559 ] إذا أوصى رجل لوارث وأجنبي بثلث ماله، أو مال معين ونحو ذلك، ثم مات، فلا يخلو ذلك من حالين:

        الحال الأولى: أن يجيز الورثة الوصية للوارث.

        فإذا أوصى لوارثه وأجنبي بثلثه، وأجاز الورثة وصية الوارث، فالثلث بينهما، فإن كانت الوصية لهما بأكثر من الثلث، وأجاز الورثة ما زاد على الثلث جازت الوصية، وإن ردوا ما زاد على الثلث فهو بينهما محاصة.

        جاء في بدائع الصنائع: "ولو أوصى بثلث ماله لبعض ورثته ولأجنبي، فإن أجاز بقية الورثة جازت الوصية لهما جميعا، وكان الثلث بين الأجنبي وبين الوارث نصفين، وإن ردوا جازت في حصة الأجنبي، وبطلت في حصة الوارث".

        وجاء عند المالكية : "ومن أوصى لوارث وغير وارث معا، كان للوارث أن يعاون أهل الوصايا، ثم ينظر فيما أصابهم، وإن أجازه له الورثة جاز".

        فالحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة يرون أن للوارث اقتسام الوصية مع الأجنبي عند الوصية لهما بحسب الوصية، إذا أجاز الورثة ذلك.

        الحال الثانية: في حالة عدم إجازة الوصية للوارث:

        إذا أوصى رجل لوارثه ولأجنبي بثلثه، ولم يجز ذلك الورثة جازت الوصية في حق الأجنبي دون الوارث عند المذاهب الأربعة؛ الحنفية ، [ ص: 560 ] والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة .

        ومع اتفاق العلماء على بطلان الوصية للوارث عند عدم الإجازة، وصحت وصية الأجنبي إلا أنهم اختلفوا، هل يحاص الوارث الأجنبي فيأخذ الأجنبي ما خرج له من المحاصة، أم يكون الثلث جميعه للأجنبي؟ خلاف بين العلماء على قولين:

        القول الأول: أن الأجنبي يحاص الوارث، فما حصل للوارث اقتسمه مع بقية الورثة، وأخذ الأجنبي ما خرج له من المحاصة.

        وهو المشهور من مذهب الحنفية ، وقول المالكية ، والشافعية ، والحنابلة .

        القول الثاني: أن الثلث جميعه للأجنبي، وعليه فلا محاصة مع الوارث.

        وهو رأي لبعض الحنفية ، وبعض المالكية .

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        استدل أصحاب القول الأول:

        1 - أنه أوصى بما يملك الإيصاء به وبما لا يملك، فصح في الأول لا الثاني.

        [ ص: 561 ] 2 - أن الوارث يزاحم الأجنبي مع الإجازة، فإذا ردوا تعين أن يكون الباقي بينهما; لأن مقتضى الإضافة التسوية.

        3 - القياس، فإذا بطلت الوصية في حق الوارث بقيت في حق الأجنبي، فأخذ ما بقي من الثلث، كما لو أوصى لأجنبيين فرد أحدهما دون الآخر.

        واستدل أصحاب القول الثاني: بأن الوارث ليس محلا للوصية، فالوصية إليه وصية بالعدم، كما لو أوصى لحي وميت، فالوصية للحي; إذ الميت ليس محلا للوصية.

        ونوقش: بقول الكاساني في الإجابة عن قياسهم: "وهذا غير سديد; لأن الوصية للوارث ليست وصية باطلة، بدليل أنه لو اتصلت بها الإجازة - أي: إجازة الورثة - جازت، والباطل لا يحتمل الجواز بالإجازة، وبه تبين أن الوارث محل للوصية ; لأن التصرف المضاف إلى غير محله يكون باطلا، دل أنه محل، وأن الإضافة إليه وقعت صحيحة، إلا أنها تبطل في حصته برد الباقين" من الورثة.

        الترجيح:

        والذي يظهر رجحانه: القول الأول، وهو أن الأجنبي يأخذ ما بقي من الثلث بعد المحاصة; لصحة قياسهم، أما ما استدل به أصحاب القول الثاني من القياس فأجيب عنه.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية