تنبيه :
يقع في الفتاوى كثيرا أن فيفتى في خلاصه بأن يرفع إلى الحاكم ، فيحكم عليه بالأداء . وأنه لا يحنث ، تنزيلا للحكم منزلة الإكراه . رجلا حلف بالطلاق لا يؤدي الحق الذي عليه
وعندي في هذه وقفة : أما أولا : فلأن الشيخين : لم ينزلا الحكم منزلة الإكراه في كل صورة ، ولا قررا ذلك قاعدة عامة ، بل ذكراها في بعض الصور وذكرا خلافها في بعضها كما تراه ، فليس إلحاق هذه الصورة بالصورة التي حكما فيها بعدم الحنث أولى من إلحاقها بالتي حكما فيها بالحنث .
أما ثانيا : فلأن الإكراه بحق لا أثر له في عدم النفوذ ، بدليل صحة بيع من أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه وطلاق المولى إذا أكرهه الحاكم ; لأن الإكراه فيهما بحق . فالذي ينشرح له الصدر فيما نحن فيه : القول بالحنث ، ولا أثر للحكم في منعه ، هذا إذا كان معترفا بالحق ، فإن كان منكرا له ، وثبت بالبينة قوي في هذه الحالة عدم الحنث ; لأنه يزعم أنه مظلوم في هذا الحكم ، فلم يكن الإكراه بحق في دعواه . والطلاق لا يقع بالشك ، وقولي في هذه الحالة : بعدم الحنث : أي ظاهرا ، فلو كانت البينة صادقة في الواقع ، وهو عالم بأن عليه ما شهدت به . وقع باطنا . والله أعلم .
[ ص: 212 ] ثم رأيت الزركشي قال في قواعده : ذكر الرافعي في كتاب الطلاق : أنه لو قال : إن أخذت مني حقك فأنت طالق . فأكرهه السلطان ، حتى أعطى بنفسه فعلى القولين في فعل المكره ، وقضيته : ترجيح عدم الحنث ، والمتجه خلافه ; لأنه إكراه بحق هذه عبارته .