الكتاب الرابع في أحكام يكثر دورها ويقبح بالفقيه جهلها " قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { " القول في الناسي ، والجاهل ، والمكره } . هذا حديث حسن . أخرجه إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، ابن ماجه في صحيحه ، وابن حبان في مستدركه بهذا اللفظ من حديث والحاكم : وأخرجه ابن عباس الطبراني من حديثه بلفظ { والدارقطني } بدل { تجاوز وضع } . وأخرجه أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده من حديثه ، بلفظ { رفع }
وأخرجه أيضا من طريق ابن ماجه عن أبي بكر الهذلي عن شهر قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { أبي ذر } وأخرجه بهذا اللفظ إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه في الكبير من حديث الطبراني . [ ص: 188 ] وأخرجه في الأوسط من حديث ثوبان ، ابن عمر ، بلفظ { وعقبة بن عامر } إلى آخره . وإسناد حديث وضع عن أمتي صحيح ابن عمر
وأخرجه ابن عدي في الكامل ، وأبو نعيم في التاريخ من حديث ، بلفظ : { أبي بكرة } . رفع الله عن هذه الأمة الخطأ ، والنسيان ، والأمر يكرهون عليه
وأخرجه ابن أبي حاتم ، في تفسيره من طريق عن أبي بكر الهذلي ، ، عن شهر بن حوشب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أم الدرداء } . قال إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه أبو بكر : فذكرت ذلك للحسن ، فقال : أجل ، أما تقرأ بذلك قرآنا ، { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وأبو بكر ضعيف ، وكذا . شهر إن كانت الصغرى ، فالحديث مرسل وإن كانت الكبرى فهو منقطع . وأم الدرداء
وقال في سننه : حدثنا سعيد بن منصور خالد بن عبد الله ، عن هشام ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . وقال أيضا : حدثني إن الله عفا لكم عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهتم عليه ، حدثني إسماعيل بن عياش جعفر بن حبان العطاردي . عن الحسن قال سمعته يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . تجاوز الله لابن آدم عما أخطأ ، وعما نسي ، وعما أكره ، وعما غلب عليه
وأخرج من حديث ابن ماجه { أبي هريرة } ، فهذه شواهد قوية تقضي للحديث بالصحة : إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تعمل ، أو تتكلم به ، وما استكرهوا عليه
اعلم أن قاعدة الفقه : أن النسيان والجهل ، مسقط للإثم مطلقا
وأما الحكم : فإن وقعا في ترك مأمور لم يسقط . بل يجب تداركه . ولا يحصل الثواب لمترتب عليه لعدم الائتمار ، أو فعل منهي ، ليس من باب الإتلاف فلا شيء فيه ، أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان . فإن كان يوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها .
وخرج عن ذلك صور نادرة ، فهذه أقسام .
فمن فروع القسم الأول : : وجب تداركه بالقضاء بلا خلاف . من نسي صلاة ، أو صوما أو حجا ، أو زكاة ، أو كفارة ، أو نذرا
وكذا عرفة يجب القضاء اتفاقا . لو وقف بغير
ومنها : [ ص: 189 ] أو من نسي الترتيب في الوضوء نسي الماء في رحله ، فتيمم وصلى ثم ذكره .
أو . صلى بنجاسة لا يعفى عنها ناسيا ، أو جاهلا بها
أو ، أو نسي قراءة الفاتحة في الصلاة ، أو تيقن الخطأ في الاجتهاد في الماء ، والقبلة ، والثوب وقت الصلاة ، والصوم ، والوقوف ، بأن بان وقوعها قبله ، أو صلوا لسواد ظنوه عدوا ، فبان خلافه ، أو دفع الزكاة إلى من ظنه فقيرا فبان غنيا استناب في الحج لكونه معضوبا . فبرأ .
وفي هذه الصور كلها خلاف : قال في شرح المهذب : بعضه كبعض ، وبعضه مرتب على بعض ، أو أقوى من بعض . والصحيح في الجميع : عدم الإجزاء ، ووجوب الإعادة .
ومأخذ الخلاف : أن هذه الأشياء ، هل هي من قبيل المأمورات التي هي شروط ، كالطهارة عن الحدث ، فلا يكون النسيان والجهل عذرا في تركها ; لفوات المصلحة منها ، أو أنها من قبيل المناهي : كالأكل ، والكلام ، فيكون ذلك عذرا ؟ والأول أظهر ، ولذلك تجب الإعادة بلا خلاف ، فيما ; لأنها من قبيل المأمورات . لو نسي نية الصوم
وفيما ; لأنه ليس وقتا للصوم كيوم العيد ، ذكره في شرح المهذب . لو صادف صوم الأسير ، ونحوه : الليل ، دون النهار
ولو ، أجزأ بلا خلاف ، لكن هل يكون أداء للضرورة ، أو قضاء ; لأنه خارج عن وقته ؟ قولان ، أو وجهان . أصحهما : الثاني . صادف الصلاة أو الصوم ، بعد الوقت
ويتفرع عليه : ما لو كان الشهر ناقصا ورمضان تاما .
وأما ، فإن صادف الحادي عشر . لم يجز ، بلا خلاف ، كما لو صادف السابع ، وإن صادف العاشر . أجزأ ، ولا قضاء ; لأنهم لو كلفوا به لم يأمنوا الغلط في العام الآتي أيضا . الوقوف : إذا صادف ما بعد الوقت
ويستثنى : ما إذا قل الحجيج ، على خلاف العادة ، فإنه يلزمهم القضاء ، في الأصح ; لأن ذلك نادر .
وفرق بين الغلط في الثامن والعاشر بوجهين : [ ص: 190 ]
أحدهما : أن تأخير العبادة عن الوقت ، أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه .
والثاني : أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه ، فإنما يقع لغلط في الحساب ، أو لخلل في الشهود ، الذين شهدوا بتقديم الهلال .
والغلط بالتأخير قد يكون بالغيم المانع من الرؤية ، ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه ، ثم صورة المسألة كما قال الرافعي : . أن يكون الهلال غم ، فأكملوا ذا القعدة ثلاثين ، ثم قامت بينة برؤيته ليلة الثلاثين
أما لو ، فإنه لا يجزئ ، بلا شك ، لتفريطهم ، وسواء تبين لهم ذلك بعد العاشر ، أو فيه ، في أثناء الوقوف ، أو قبل الزوال ، فوقفوا عالمين . كما نقله وقع الغلط ، بسبب الحساب الرافعي عن عامة الأصحاب ، وصححه في شرح المهذب .
. ففي انعقاده حجا وجهان : ولو أخطأ الاجتهاد في أشهر الحج . فأحرم النفير العام في غير أشهره
أحدهما : نعم ، كالخطأ في الوقوف العاشر .
والثاني : لا ، والفرق : أنا لو أبطلنا الوقوف في العاشر ، أبطلناه من أصله ، وفيه إضرار . وأما هنا : فينعقد عمرة ، كذا في شرح المهذب ، بلا ترجيح .
ومن فروع هذا القسم ، في غير العبادات ما لو ، فإن العقد يبطل اتفاقا ، فهو من باب ترك المأمورات ; لأن المماثلة شرط ، بل العلم بها أيضا . فاضل في الربويات جاهلا
وكذا ، أو لو عقد البيع ، أو غيره على عين يظنها ملكه فبانت بخلافه ، لا يصح . النكاح على محرم ، أو غيرها من المحرمات جاهلا
ومن فروع القسم الثاني : ، فلا حد ، ولا تعزير . ومنها : من شرب خمرا جاهلا فليس بقاذف ، بخلاف ما لو علم به ، فيكون قاذفا لهما . لو قال : أنت أزنى من فلان ، ولم يصرح في لفظه بزنا فلان ، لكنه كان ثبت زناه بإقرار ، أو بينة . والقائل جاهل ،
ومنها : ، كالأكل في الصلاة ، والصوم وفعل ما ينافي الصلاة : من كلام ، وغيره . الإتيان بمفسدات العبادة ناسيا ، أو جاهلا ، والجماع في الصوم . والاعتكاف ، والعود من قيام الثالثة إلى التشهد ومن السجود إلى القنوت ، والاقتداء بمحدث ، وذي نجاسة ، وسبق الإمام بركنين ، ومراعاة المزحوم ترتيب نفسه إذا ركع الإمام في الثانية ، وارتكاب محظورات الإحرام ، التي ليست بإتلاف ، [ ص: 191 ] كاللبس . والاستمتاع ، والدهن ، والطيب . سواء جهل التحريم ، أو كونه طيبا . والإحرام والخروج من المعتكف
والحكم في الجميع : عدم الإفساد ، وعدم الكفارة ، والفدية . وفي أكثرها خلاف واستثني من ذلك : ، فإنه يبطلها في الأصح لندوره . الفعل الكثير في الصلاة ، كالأكل
وألحق بعضهم الصوم بالصلاة في ذلك . والأصح : أنه لا يبطل بالكثير ; لأنه لا يندر فيه ، بخلاف الصلاة ; لأن فيه هيئة مذكرة .
ومنها : لا تبطل صلاته لظنه أنه ليس في صلاة . لو سلم عن ركعتين ناسيا ، وتكلم عامدا " لظنه إكمال الصلاة "
ونظيره : والمذهب : أنه لا يفسد حجه . ما لو تحلل من الإحرام وجامع ، ثم بان أنه لم يتحلل ، لكون رميه وقع قبل نصف الليل
ومن نظائره أيضا : ، ففي وجه : لا يفطر قياسا عليه . لو أكل ناسيا ، فظن بطلان صومه ، فجامع
والأصح : الفطر ; ، ولكن لا تجب الكفارة ; لأنه وطئ وهو يعتقد أنه غير صائم . كما لو جامع على ظن أن الصبح لم يطلع ، فبان خلافه
ونظيره أيضا : . لو ظن طلاق زوجته بما وقع منه فأشهد عليه بطلاقها
ومن فروع هذا القسم أيضا ما . فإنه يقع عن الموكل ، إن ساوى ما اشتراه به ، وكذا إن لم يساو في الأصح ، فإنه بخلاف ما إذا علم . لو اشترى الوكيل معيبا جاهلا به
تنبيه :
من المشكل : تصوير الجهل بتحريم الأكل في الصوم ، فإن ذلك جهل بحقيقة الصوم . فإن من جهل الفطر جهل الإمساك عنه ، الذي هو حقيقة الصوم ، فلا تصح نيته .
قال السبكي : فلا مخلص إلا بأحد أمرين : إما أن يفرض في مفطر خاص من الأشياء النادرة ، كالتراب ، فإنه قد يخفى ، ويكون الصوم الإمساك عن المعتاد ، وما عداه شرط في صحته ، " وإما أن يفرض " كما صوره بعض المتأخرين ، فإنه لا يفطر على وجه . لكن الأصح فيه : الفطر . انتهى . فيمن احتجم أو أكل ناسيا ; فظن أنه أفطر ، فأكل بعد ذلك ، جاهلا بوجوب الإمساك
وقال : كل مسألة تدق ، ويغمض معرفتها ، هل يعذر فيها العامي ؟ وجهان ، أصحهما : نعم . القاضي حسين