قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { القول في النائم ، والمجنون ، والمغمى عليه } . هذا حديث صحيح ، أخرجه رفع القلم عن ثلاث : عن النائم ، حتى يستيقظ ، وعن المبتلى حتى يبرأ ، وعن الصبي حتى يكبر بهذا اللفظ . من حديث أبو داود رضي الله عنها . وأخرجه من حديث عائشة علي بلفظ : { وعمر } وأخرجه أيضا عنهما بلفظ { عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يعقل } ، وبلفظ { عن المجنون حتى يفيق } وبلفظ { عن الصبي ، حتى يحتلم } . وذكر حتى يبلغ : أن أبو داود رواه عن ابن جريج القاسم بن يزيد عن عن النبي صلى الله عليه وسلم فزاد فيه { علي } . وأخرجه والخرف من حديث الطبراني ، ابن عباس ، وشداد بن أوس وثوبان من حديث والبزار . أبي هريرة
قلت : قد ألف السبكي في شرح هذا الحديث كتابا ، سماه " إبراز الحكم من حديث : رفع القلم " ، ذكر فيه ثمانية وثلاثين فائدة تتعلق به .
وأنا أنقل منه هنا في مبحث الصبي ما تراه إن شاء الله تعالى .
وأول ما نبه عليه : أن الذي وقع في جميع روايات الحديث : في سنن ، أبو داود وابن ماجه ، والنسائي " عن ثلاثة " بإثبات الهاء " ويقع في بعض كتب الفقهاء " ثلاث " بغير هاء . والدارقطني
قال : ولم أجد لها أصلا . قال : " العقل " صفة يميز بها الحسن والقبيح ، قال بعضهم : ويزيله الجنون والإغماء والنوم . الشيخ أبو إسحاق
وقال الغزالي : الجنون يزيله والإغماء يغمره والنوم يستره .
قال السبكي : وإنما لم يذكر المغمى عليه في الحديث ; لأنه في معنى النائم وذكر الخرف في بعض الروايات ، وإن كان في معنى المجنون ; لأنه عبارة عن اختلاط العقل بالكبر ، ولا يسمى جنونا ; لأن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج ، والخرف خلاف ذلك ; [ ص: 213 ] ولهذا لم يقل في الحديث " حتى يعقل " لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت .
قال : ويظهر أن ، وهي إلى الإغماء أقرب انتهى . واعلم : أن الثلاثة قد يشتركون في أحكام ، وقد ينفرد النائم عن المجنون . والمغمى عليه تارة يلحق بالنائم ، وتارة يلحق بالمجنون . الخرف رتبة بين الإغماء والجنون
وبيان ذلك بفروع الأول : الحدث يشترك فيه الثلاثة .
الثاني : . استحباب الغسل عند الإفاقة للمجنون ، ومثله المغمى عليه
الثالث : ، يجب على النائم ، دون المجنون ، والمغمى عليه كالمجنون . قضاء الصلاة إذا استغرق ذلك الوقت
الرابع : ، يجب على المغمى عليه بخلاف المجنون . والفرق بينه وبين الصلاة كثرة تكررها ، ونظيره : وجوب قضاء الصوم على الحائض والنفساء ، دون الصلاة . قضاء الصوم إذا استغرق النهار
وأما النائم : إذا استغرق النهار وكان نوى من الليل ، فإنه يصح صومه على المذهب .
والفرق بينه وبين المغمى عليه : أنه ثابت العقل ; لأنه إذا نبه انتبه بخلافه ، وفي النوم وجه أنه يضر كالإغماء
وفي الإغماء وجه : أنه لا يضر كالنوم ، ولا خلاف في الجنون ، وأما غير المستغرق من الثلاثة ، فالنوم لا يضر بالإجماع ، وفي الجنون قولان : الجديد البطلان ; لأنه مناف للصوم ، كالحيض وقطع به بعضهم .
: وفي الإغماء طرق
أحدها : لا يضر إن أفاق جزءا من النهار ، سواء كان في أوله أو آخره .
والثاني : القطع بأنه إن أفاق في أوله صح ، وإلا فلا .
والثالث : وهو الأصح فيه أربعة أقوال أظهرها لا يضر إن أفاق لحظة ما .
والثاني : في أوله خاصة .
والثالث : في طرفيه .
والرابع : يضر مطلقا فيه ، فتشترط الإفاقة جميع النهار .
والفرع الخامس : الأذان ، إن لم يطل الفصل بنى ، وإن طال ، وجب والاستئناف على المذهب . لو نام أو أغمي عليه أثناءه ، ثم أفاق
قال في شرح المهذب ، قال أصحابنا : والجنون هنا كالإغماء .
السادس : انقضت المدة . لو لبس الخف ، ثم نام حتى مضى يوم وليلة
[ ص: 214 ] قال البلقيني : ولو جن أو أغمي عليه ، فالقياس أنه لا تحتسب عليه المدة ; لأنه لا تجب عليه الصلاة ، بخلاف النوم لوجوب القضاء ، قال : ولم أر من تعرض لذلك . السابع : حسب زمن النوم من الاعتكاف قطعا ; لأنه كالمستيقظ . وفي زمان الإغماء وجهان : أصحهما يحسب . ولا يحسب زمن الجنون قطعا ; لأن العبادات البدنية لا يصح أداؤها في حال الجنون . إذا نام المعتكف
الثامن : يجوز بخلاف المغمى عليه كما جزم به للولي أن يحرم عن المجنون الرافعي .
التاسع : لا يصح من المجنون ; والمغمى عليه مثله في الأصح ، بخلاف النائم المستغرق في الأصح . الوقوف بعرفة
وحكى الرافعي عن المتولي - وأقره - : أنه إذا لم يجزه في المجنون يقع نفلا ، كحج الصبي ، وكذا المغمى عليه ، كما في شرح المهذب .
العاشر : يصح ، ممن أذن له قبل الإغماء ، في حال تجوز فيه الاستنابة ، قال في شرح المهذب : والمجنون مثله ، صرح به الرمي عن المغمى عليه المتولي وغيره .
الحادي عشر : ، كالوكالة إلا في رمي الجمار ، والإيداع والعارية والكتابة الفاسدة ، ولا يبطل بالنوم . وفي الإغماء وجهان : أصحهما كالمجنون . يبطل بالجنون كل عقد جائز
الثاني عشر : بخلاف النوم . ينعزل القاضي بجنونه وبإغمائه
الثالث عشر : ; لأنه متوقع الزوال . ينعزل الإمام الأعظم بالجنون : ولا ينعزل بالإغماء
الرابع عشر : ، انتقلت الولاية للأبعد ، والإغماء إن دام أياما ففي وجه : كالجنون ، والأصح لا ، بل ينتظر كما لو كان سريع الزوال . إذا جن ولي النكاح
الخامس عشر : كما يفهم من كلامهم ، وهو نظير الإحرام بالحج . يزوج المجنون وليه بشرطه المعروف ولا يزوج المغمى عليه
السادس عشر : قال الأصحاب : لا يجوز لأنه نقص ويجوز عليهم الإغماء ; لأنه مرض ، ونبه الجنون على الأنبياء ; السبكي على أن الإغماء الذي يحصل لهم ليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس ، وإنما هو لغلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب .
قال : لأنه قد ورد أنه إنما تنام أعينهم دون قلوبهم ، فإذا حفظت قلوبهم وعصمت من النوم الذي هو أخف من الإغماء ، فمن الإغماء بطريق الأولى ، انتهى . وهو نفيس جدا .
[ ص: 215 ] السابع عشر : ، وأما الإغماء فالظاهر أنه مثله ، كما يفهم من كلامهم . الجنون يقتضي الحجر
الثامن عشر : . يشترك الثلاثة في عدم صحة مباشرة العبادة والبيع والشراء ، وجميع التصرفات من العقود والفسوخ كالطلاق والعتق ، وفي غرامة المتلفات وأروش الجنايات
التاسع عشر : لا ينقطع على الصحيح . ولم أر من تعرض للنوم . خيار المجلس بالجنون والإغماء
العشرون : طلقت أو وهي مجنونة ; قال لو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق ، فكلمته وهو نائم أو مغمى عليه أو هذت بكلامه في نومها وإغمائها ، أو كلمته وهو مجنون ابن الصباغ : لا تطلق ، وقال : تطلق قال القاضي حسين الرافعي : والظاهر تخريجه على حنث الناسي .
الحادي والعشرون : حرمت عليه ، قاله لو وطئ المجنون زوجة ابنه . القاضي حسين
الثاني والعشرون : ذهب القاضي والفوراني إلى أن ; لأنه لا يخاف من وطء يوجب الحد والإثم ، ولكن الأصح خلافه ، كذا في الأشباه والنظائر المجنون لا يتزوج الأمة لابن الوكيل ، ثم ذكر أن نص على أن المجنون لا يزوج منه أمة . الشافعي