[ ص: 404 ] تنبيهات
[ التنبيه ] الأول
إذا قلنا بالحمل في هذه الحالة ، فإنما يكون عند قيام قرينة المجاز لا عند الإطلاق كما اقتضاه كلام ابن السمعاني ، إذ قال : واللفظ الواحد يجوز أن يحمل على الحقيقة والمجاز إذا تساويا في الاستعمال ، لكن إذا عري عن عرف الاستعمال لم يجز أن يحمل على المجاز إلا أن يقوم الدليل على أنه مراد به ، وقيام الدلالة على إرادة المجاز لا ينفي عن اللفظ إرادة الحقيقة ، هذا لفظه وهو الحق .
قال : والمسألة مفروضة في اللفظ الذي اشترك في عرف استعماله الحقيقة والمجاز معا .
وقال ابن حاتم الأزدي صاحب القاضي : اختلف أصحابنا فيه ، فمنهم من قال : يحمل على الحقيقة عند الإطلاق ، ومنهم من قال : لا يصرف إلى واحد منهما إلا بدليل . ا هـ . إذا كان اللفظ موضوعا حقيقة لشيء ومجازا لغيره ، ثم ورد هل يحمل على الحقيقة مطلقا ، وبالقرينة على المجاز ، أم تتوقف الدلالة ، ولا يحمل على واحد منهما إلا بدليل ؟
قال ابن السمعاني : واللفظ والحالة هذه حقيقة ومجاز باعتبارين .
وزعم أن اللفظ حينئذ مجاز قطعا ، لأنه حينئذ استعمال في غير ما وضع له ، وحكاه ابن الحاجب ابن عبد السلام في كتاب " المجاز " عن بعضهم .
وقال بعض المتأخرين : الخلاف في هذه المسألة إنما هو إذا ظهر قصد [ ص: 405 ] المجاز بقرينة مع السكوت عن الحقيقة ، أو قصدهما معا ، أما إذا قصد الحقيقة فقط فالحمل عليها فقط بلا نزاع ، أو المجاز فقط اختص به بلا نزاع ، وإن لم يظهر قصد ، فلا مدخل للحمل على المجاز ، فإن اللفظ إنما يحمل على مجازه بقرينة ، ولهذا قالوا فيما إذا قال : وقفت على أولادي ونظائره : أنه لا يدخل أولاد الأولاد على الصحيح ، ونظيره ما لو . أوصى لإخوة فلان وكانوا ذكورا وإناثا إخوة وأخوات
قال الإمام في باب الوصية من " النهاية " : مذهب وظاهر مذهب أبي حنيفة أنه يختص بالوصية الإخوة دون الأخوات ، وقال الشافعي أبو يوسف : للجميع وكذا كلام ومحمد ابن السمعاني السابق ، وقد أفاد حالة أخرى ، وهي ما إذا تساويا في الاستعمال بأن يكثر المجاز كثرة توازي الحقيقة فيتساويان فيهما عند الإطلاق ، فيحصل أن الصور أربع :
أحدهما : أن تدل قرينة على إرادة المجاز مع السكوت عن الحقيقة .
ثانيها : أن تدل على إرادتهما جميعا .
ثالثها : أن لا تكون قرينة ، ولكن للمجاز شهرة وازى بها الحقيقة ، والخلاف ثابت في الكل والصحيح عندنا : الحمل عليها
رابعها : حالة الإطلاق مع عدم شهرة المجاز فلا يحمل فيهما على المجاز بلا خلاف ، لأن الخلاف مدفوع ما لم يدل عليه دليل ، وإذا ضممت الخلاف في هذه المسألة إلى المشترك خرج منه مذاهب :
ثالثها : التفصيل بين الحقيقتين فيجوز ، وبين الحقيقة والمجاز فيمتنع ، وهو ظاهر كلام القاضي ، وتفارق هذه الحالة ما قبلها على مذهب : أن المشترك يحمل على معنييه حالة الإطلاق ، والحقيقة والمجاز لا يحمل عليهما إلا إذا ساوى المجاز الحقيقة لشهرة أو نحوهما كما تقدم . الشافعي
ورابعها : عكسه وهو المنع في الحقيقتين قطعا ، وتردد في الحقيقة [ ص: 406 ] والمجاز ، وإليه صار الغزالي في " المستصفى " ، فإنه قطع بالجمع في الحقيقتين ، ثم قال في الحقيقة والمجاز : هو عندنا كالمشترك ، وإن كان التعميم منه أقرب قليلا .