[ ص: 331 ] التنبيه ] الخامس الكوفيين والبصريين ] [ في اشتقاق الأفعال من المصادر ] [ مذهب
مذهب الكوفيين أن المصادر مشتقة من الأفعال ، وعكس البصريون ذلك وهو الصحيح ، لأن مفهومه واحد ، ومفهوم الفعل متعدد لدلالته على الحدث والزمان ، والواحد قبل المتعدد ، وإذا كان أصلا للأفعال يكون أصلا لمتعلقاته ، أو لأنه اسم ، والاسم مستغن عن الفعل .
ويقال : مصدر ، لأن هذه الأشياء تصدر عنه ، وكذلك الصفات كأسماء الفاعلين والمفعولين ، وتوسط الفارسي فقال : الصفات مشتقة من الأفعال لجريانها عليها ، وعلى تقدير القول به فهي وإن كانت مشتقة من الأفعال بهذا الاعتبار فالأفعال أصولها القريبة ، والمصادر أصولها البعيدة . وذهب أبو بكر بن طلحة إلى أن كلا من المصدر والفعل أصل بنفسه ، ليس أحدهما مشتقا من الآخر ، فالحاصل أربعة مذاهب .
وقد استشكل المازري في شرح البرهان حقيقة الخلاف في هذه المسألة وقال : إن أريد بذلك أن أحدهما حقيقة والآخر مجاز ، فالحقيقة أصل للمجاز ، فهذا لا يقوله أحد ، فلا خلاف أنا إذا قلنا : قام زيد قياما ، فإن قولنا : " قام " لفظة من الحقائق لا تجوز فيها ، وقولنا " قياما " لفظة من الحقائق لا تجوز فيها أيضا ، فقد وضح بطلان صرف الأصلية والفرعية إلى هذا الوجه ، وإن أرادوا بقولهم هذا أصل وهذا فرع أن اللفظين حقيقتان ، [ ص: 332 ] ولكن النطق بهذه سبق ، فهذا غيب لا يعلمه إلا الله والبحث عنه عي لا يجدي ولا فائدة فيه ، وأي فائدة في السؤال عن تسمية الحائط والجدار أي اللفظين نطق به أولا ؟ انتهى .
وقال بعضهم : إذا قيل : هذا مشتق من هذا فله معنيان :
أحدهما : أن بين القولين تناسبا في اللفظ والمعنى وسواء تكلم أهل اللغة بأحدهما قبل الآخر أم لا وعلى هذا إذا قلنا : المصدر مشتق من الفعل أو بالعكس كان كل منهما صحيحا ، وهذا هو الاشتقاق الذي يقوم عليه أساس التصريف .
والثاني : أن يكون أحدهما أصلا للآخر ، فهذا إن عني به أن أحدهما تكلم به بعد الآخر لم يقم على هذا دليل في أكثر المواضع ، وإن عني به أن أحدهما مقدم على الآخر في العقل لكون هذا مفردا وهذا مركبا ، فالفعل مشتق من المصدر .