[ ] الحكمة في حد الزنا وتنويعه
وأما الزاني فإنه يزني بجميع بدنه ، والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن ، والغالب من فعله وقوعه برضا المزني بها ، فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب ، فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة والقتل بالحجارة مرة ; ولما كان الزنا من أمهات الجرائم وكبائر المعاصي لما فيه من اختلاف الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين ، وفي هذا هلاك الحرث والنسل فشاكل في معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك ، [ ص: 83 ] فزجر عنه بالقصاص ليرتدع عن مثل فعله من يهم به ، فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة .
ثم إن للزاني حالتين ; إحداهما : أن يكون محصنا قد تزوج ، فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة ، واستغنى به عنها ، وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنا ، فزال عذره من جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام .
والثانية : أن يكون بكرا ، لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله ; فحمل له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف ; فحقن دمه ، وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعا عن المعاودة للاستمتاع بالحرام ، وبعثا له على القنع بما رزقه الله من الحلال .
وهذا في غاية الحكمة والمصلحة ، جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه .
وأين هذا من قطع لسان الشاتم والقاذف وما فيه من الإسراف والعدوان ؟ ثم إن قطع فرج الزاني فيه من تعطيل النسل ، وقطعه عكس مقصود الرب تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم ، وفيه من المفاسد أضعاف ما يتوهم فيه من مصلحة الزجر ، وفيه إخلاء جميع البدن من العقوبة ، وقد حصلت جريمة الزنا بجميع أجزائه ; فكان من العدل أن تعمه العقوبة ، ثم إنه غير متصور في حق المرأة ، وكلاهما زان ; فلا بد أن يستويا في العقوبة ، فكان شرع الله سبحانه أكمل من اقتراح المقترحين .