[ الوعيد على ] . القول بالرأي
وقالت طائفة من أهل العلم : من أداه اجتهاده إلى رأي رآه ولم تقم عليه حجة فيه بعد فليس مذموما ، بل هو معذور ، خالفا كان أو سالفا ، ومن قامت عليه الحجة فعاند وتمادى على الفتيا برأي إنسان بعينه فهو الذي يلحقه الوعيد ; وقد روينا في مسند ثنا عبد بن حميد ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عبد الأعلى عن عن سعيد بن جبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عباس } [ ص: 43 ] من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار
فصل .
فيما روي عن صديق الأمة وأعلمها من إنكار الرأي .
[ ذم القول بالرأي ] أبي بكر
روينا عن ثنا عبد بن حميد عن أبو أسامة عن نافع عمر الجمحي عن قال : قال ابن أبي مليكة رضي الله عنه : أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي ، أو بما ولا أعلم . أبو بكر
وذكر حدثنا الحسن بن علي الحلواني عارم عن عن حماد بن زيد سعيد بن أبي صدقة عن قال : لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من ابن سيرين أبي بكر رضي الله عنه ، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من رضي الله عنه ، وأن عمر أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا ولا في السنة أثرا فاجتهد برأيه ثم قال : هذا رأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله .
فصل .
في المنقول من ذلك عن رضي الله عنه . عمر بن الخطاب
[ ذم القول بالرأي ] عمر
قال : ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد ابن شهاب أن رضي الله عنه قال وهو على المنبر : يا أيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا ، إن الله كان يريه ، وإنما هو منا الظن والتكلف . قلت : مراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله تعالى : { عمر إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } فلم يكن له رأي غير ما أراه الله إياه ، وأما ما رأى غيره فظن وتكلف .
قال : ثنا سفيان الثوري عن أبو إسحاق الشيباني عن أبي الضحى قال : كتب كاتب مسروق " هذا ما رأى الله ورأى لعمر بن الخطاب " فقال : بئس ما قلت ، قل : هذا ما رأى عمر ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمن عمر عمر
وقال : أخبرني ابن وهب عن ابن لهيعة عبد الله بن أبي جعفر قال : قال رضي الله عنه : السنة ما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة . عمر بن الخطاب
قال : وأخبرني ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الزناد أن [ ص: 44 ] محمد بن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال : أصبح أهل الرأي أعداء السنن ، أعيتهم أن يعوها وتفلتت منهم أن يرووها ، فاستبقوها بالرأي . عمر بن الخطاب
قال : وأخبرني ابن وهب عبد الله بن محمد بن عجلان عن أن عبيد الله بن عمر قال : اتقوا الرأي في دينكم . عمر بن الخطاب
وذكر ابن عجلان عن صدقة بن أبي عبد الله أن كان يقول : أصحاب الرأي أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها ، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا نعلم ، فعارضوا السنن برأيهم ، فإياكم وإياهم . عمر بن الخطاب
وذكر ابن الهادي عن قال : قال محمد بن إبراهيم التيمي : إياكم والرأي ; فإن أصحاب الرأي أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلتت منهم أن يحفظوها ، فقالوا في الدين برأيهم . عمر بن الخطاب
وقال الشعبي : عن قال : قال عمرو بن الحارث رضي الله عنه : إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي ، فضلوا وأضلوا ، وأسانيد هذه الآثار عن عمر بن الخطاب في غاية الصحة . عمر
وقال محمد بن عبد السلام الخشني : ثنا محمد بن بشار حدثنا يونس بن عبيد العمري ثنا مبارك بن فضالة عن عن عبيد الله بن عمر عن نافع { ابن عمر أنه قال : أيها الناس ، اتهموا الرأي في الدين ، فلقد رأيتني وإني لأرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي فأجتهد ولا آلو ، وذلك يوم عمر بن الخطاب أبي جندل والكتاب يكتب وقال : اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : يكتب باسمك اللهم ، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت ، فقال : يا تراني قد رضيت وتأبى ؟ عمر } . عن
وقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عبد الأعلى عن عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن حبيب معمر بن أبي حبيبة مولى بنت صفوان عن عبيد بن رفاعة عن أبيه رفاعة بن رافع قال : بينما أنا عند رضي الله عنه إذ دخل عليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين هذا عمر بن الخطاب يفتي الناس في المسجد برأيه في الغسل من الجنابة ، فقال زيد بن ثابت : علي به ، فجاء عمر زيد ، فلما رآه فقال عمر : أي عدو نفسه قد بلغت أن تفتي الناس برأيك ؟ [ ص: 45 ] فقال : يا أمير المؤمنين ، والله ما فعلت ، ولكن سمعت من أعمامي حديثا فحدثت به من عمر ، ومن أبي أيوب ، ومن أبي بن كعب رفاعة بن رافع ، فقال : علي عمر برفاعة بن رافع ، فقال : قد كنتم تفعلون ذلك إذا أصاب أحدكم المرأة فأكسل أن يغتسل ، قال : قد كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأتنا فيه عن الله تحريم ، ولم يكن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ، فقال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ؟ قال : ما أدري ، فأمر عمر بجمع عمر المهاجرين والأنصار ، فجمعوا ، فشاورهم فشار الناس أن لا غسل ، إلا ما كان من معاذ فإنهما قالا : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل ، فقال وعلي : هذا وأنتم أصحاب عمر بدر قد اختلفتم ، فمن بعدكم أشد اختلافا ، فقال : يا أمير المؤمنين إنه ليس أحد أعلم بهذا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ، فأرسل إلى علي حفصة فقالت : لا علم لي ، فأرسل إلى عائشة فقالت : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، فقال : لا أسمع برجل فعل ذلك إلا أوجعته ضربا .
[ ذم القول بالرأي ] ابن مسعود
قول - قال عبد الله بن مسعود : حدثنا البخاري جنيد ثنا عن يحيى بن زكريا عن مجالد الشعبي عن عن مسروق قال : لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي قبله ، أما إني لا أقول أمير خير من أمير ، ولا عام أخصب من عام . ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا ، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم . عبد الله
وقال : ثنا ابن وهب شقيق عن به ، قال : ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام ، ويثلم . مجالد
وقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن أبو خالد الأحمر عن مجالد الشعبي عن قال : قال مسروق : علماؤكم يذهبون ، ويتخذ الناس رءوسا جهالا يقيسون الأمور برأيهم . عبد الله بن مسعود
وقال سعيد بن داود : حدثنا محمد بن فضل عن سالم بن حفصة عن منذر الثوري عن أنه قال : قال الربيع بن خثيم : ما علمك الله في كتابه فاحمد الله ، وما استأثر به عليك من علم فكله إلى عالمه ، ولا تتكلف ; فإن الله عز وجل يقول لنبيه : { عبد الله قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } يروى هذا عن وعن الربيع بن خثيم عبد الله .
وقال : حدثنا سعيد بن منصور ، ثنا خلف بن خليفة أبو زيد عن الشعبي قال : قال [ ص: 46 ] إياكم وأرأيت أرأيت ، فإنما هلك من كان قبلكم بأرأيت أرأيت ، ولا تقيسوا شيئا فتزل قدم بعد ثبوتها ، وإذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل : لا أعلم فإنه ثلث العلم . ابن مسعود
وصح عنه في المفوضة أنه قال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريء منه .
[ ذم القول بالرأي ] عثمان
قول رضي الله عنه - قال عثمان بن عفان - : حدثني محمد بن إسحاق يحيى بن عباد عن عبيد الله بن الزبير قال : وأنا والله مع عثمان بن عفان بالجحفة إذ قال وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج : أتموا الحج وأخلصوه في أشهر الحج ، فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا عثمان البيت زورتين كان أفضل ; فإن الله قد أوسع في الخير ، فقال له علي : عمدت إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورخصة رخص الله للعباد بها في كتابه تضيق عليهم فيها وتنهى عنها ، وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار ، ثم أهل علي بعمرة وحج معا ، فأقبل رضي الله عنه على الناس فقال : أنهيت عنها ؟ إني لم أنه عنها ، إنما كان رأيا أشرت به ، فمن شاء أخذه ومن شاء تركه . عثمان بن عفان
فهذا يخبر عن رأيه أنه ليس بلازم للأمة الأخذ به ، بل من شاء أخذ به ومن شاء تركه ، بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يسع أحدا تركها لقول أحد كائنا من كان . عثمان
[ ذم القول بالرأي ] علي
قول رضي الله عنه - قال علي بن أبي طالب أبو داود - : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، ثنا عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي عبد خير عن رضي الله عنه أنه قال : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه . علي
[ ذم القول بالرأي ] ابن عباس
قول رضي الله عنه - قال عبد الله بن عباس - : أخبرني ابن وهب بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عن عبدة بن أبي لبابة أنه قال : من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل . ابن عباس
وقال عثمان بن مسلم الصفار : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي [ ص: 47 ] عن أبي فزارة قال : قال : إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قال بعد ذلك برأيه فلا أدري أفي حسناته يجد ذلك أم في سيئاته . ابن عباس
وقال : حدثنا عبد بن حميد عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث بكر عن عن سعيد بن جبير قال : من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار . ابن عباس
[ يذم القول بالرأي ] سهل بن حنيف
قول رضي الله عنه - قال سهل بن حنيف - : حدثنا البخاري ، ثنا موسى بن إسماعيل أبو عوانة عن عن الأعمش أبي وائل قال : قال : أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم ، لقد رأيتني يوم سهل بن حنيف أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته .
[ يذم الرأي ] ابن عمر
قول - رضي الله عنه ، - قال عبد الله بن عمر : أخبرني ابن وهب أن عمرو بن الحارث عمرو بن دينار قال : أخبرني عن طاوس أنه كان إذا لم يجد في الأمر يسأل عنه شيئا قال : إن شئتم أخبرتكم بالظن . عبد الله بن عمر
وقال : قال لي البخاري صدقة عن الفضل بن موسى عن عن موسى بن عقبة الضحاك عن قال : لقيني جابر بن زيد فقال : يا ابن عمر جابر ، إنك من فقهاء البصرة وتستفتى فلا تفتين إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية .
وقال عن مالك عنه : العلم ثلاث : كتاب الله الناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري . نافع
[ يذم الرأي ] زيد بن ثابت
قول - رضي الله عنه - قال زيد بن ثابت : حدثنا البخاري سنيد بن داود ثنا عن يحيى بن زكريا مولى ابن أبي زائدة إسماعيل بن خالد عن الشعبي ، قال : أتى قوم ، فسألوه عن أشياء ، فأخبرهم بها ، فكتبوها ثم قالوا : لو أخبرناه ، قال : فأتوه فأخبروه ، فقال : أعذرا لعل كل شيء حدثتكم خطأ ، إنما أجتهد لكم برأيي . زيد بن ثابت
[ يذم الرأي ] معاذ بن جبل
قول رضي الله عنه قال معاذ بن جبل : ثنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي قلابة يزيد بن أبي عميرة عن قال : تكون فتن فيكثر فيها المال ، ويفتح القرآن حتى يقرأ الرجل والمرأة والصغير والكبير والمنافق والمؤمن ، فيقرأه الرجل فلا يتبع ، فيقول : والله لأقرأنه علانية ، فيقرأه علانية فلا يتبع ، فيتخذ مسجدا ، ويبتدع كلاما ليس من [ ص: 48 ] كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإياكم وإياه فإنه بدعة وضلالة ، قاله معاذ بن جبل ثلاث مرات . معاذ
[ يذم الرأي ] أبو موسى الأشعري
قول - قال أبي موسى الأشعري البغوي - : ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عن حماد بن سلمة حميد عن قال : قال أبي رجاء العطاردي : من كان عنده علم فليعلمه الناس ، وإن لم يعلم فلا يقولن ما ليس له به علم فيكون من المتكلفين ويمرق من الدين . أبو موسى الأشعري
[ يذم الرأي ] معاوية
قول رضي الله عنه ، - قال معاوية بن أبي سفيان : حدثنا البخاري ثنا أبو اليمان عن شعيب الزهري قال : كان يحدث أنه كان عند محمد بن جبير بن مطعم في وفد من معاوية قريش ، فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فإنه قد بلغني أن رجالا فيكم يتحدثون بأحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولئكم جهالكم معاوية
فهؤلاء من الصحابة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن حنيف ومعاذ بن جبل خال المؤمنين ومعاوية رضي الله عنهم يخرجون الرأي عن العلم ، ويذمونه ، ويحذرون منه ، وينهون عن الفتيا به ، ومن اضطر منهم إليه أخبر أنه ظن ، وأنه ليس على ثقة منه ، وأنه يجوز أن يكون منه ومن الشيطان ، وأن الله ورسوله بريء منه ، وأن غايته أن يسوغ الأخذ به عند الضرورة من غير لزوم لاتباعه ولا العمل به ، فهل تجد من أحد منهم قط أنه جعل رأي رجل بعينه دينا تترك له السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبدع ويضلل من خالفه إلى اتباع السنن ؟ . وأبو موسى الأشعري
فهؤلاء برك الإسلام ، وعصابة الإيمان ، وأئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأنصح الأئمة للأمة ، وأعلمهم بالأحكام وأدلتها ، وأفقههم في دين الله ، وأعمقهم علما ، وأقلهم تكلفا ، وعليهم دارت الفتيا ، وعنهم انتشر العلم ، وأصحابهم هم فقهاء الأمة ، ومنهم من كان مقيما بالكوفة كعلي ، وبالمدينة وابن مسعود وابنه كعمر بن الخطاب ، [ ص: 49 ] وزيد بن ثابت وبالبصرة ، كأبي موسى الأشعري وبالشام كمعاذ بن جبل ، ومعاوية بن أبي سفيان وبمكة ، كعبد الله بن عباس وبمصر ، وعن هذه الأمصار انتشر العلم في الآفاق ، وأكثر من روي عنه التحذير من الرأي من كان كعبد الله بن عمرو بن العاص بالكوفة إرهاصا بين يدي ما علم الله سبحانه أنه يحدث فيها بعدهم .