[ ص: 29 ] ] المراد بالناسخ والمنسوخ
قلت : مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة وهو اصطلاح المتأخرين ، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة ، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد ، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ ، بل بأمر خارج عنه ، ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى ، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر .
وقال عن هشام بن حسان قال : قال محمد بن سيرين : إنما يفتي الناس أحد ثلاثة : رجل يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه ، وأمير لا يجد بدا ، وأحمق متكلف ، قال حذيفة : فأنا لست أحد هذين ، وأرجو أن لا أكون أحمق متكلفا . ابن سيرين
وقال في كتاب " جامع فضل العلم " : حدثنا أبو عمر بن عبد البر ثنا خلف بن القاسم يحيى بن الربيع ثنا محمد بن حماد المصيصي ثنا إبراهيم بن واقد ثنا قال : حدثني المطلب بن زياد جعفر بن حسين إمامنا قال : رأيت في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك يا أبا حنيفة ؟ قال : غفر لي ، فقلت له : بالعلم ؟ فقال : ما أضر الفتيا على أهلها ، فقلت : فبم ؟ قال : بقول الناس في ما لم يعلم الله أنه مني ، قال أبا حنيفة أبو عمر : وقال يوما : إنا لله ، ما أشقى المفتي والحاكم ، ثم قال : ها أنا ذا يتعلم مني ما تضرب به الرقاب وتوطأ به الفروج وتؤخذ به الحقوق ، أما كنت عن هذا غنيا ، قال سحنون أبو عمر : وقال أبو عثمان الحداد : القاضي أيسر مأثما وأقرب إلى السلامة من الفقيه - يريد المفتي ; لأن الفقيه من شأنه إصدار ما يرد عليه من ساعته بما حصره من القول ، والقاضي شأنه الأناة والتثبت ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة ، انتهى .
وقال غيره : المفتي أقرب إلى السلامة من القاضي ; لأنه لا يلزم بفتواه ، وإنما يخبر بها من استفتاه ، فإن شاء قبل قوله ، وإن شاء تركه وأما القاضي فإنه يلزم بقوله ، فيشترك هو والمفتي في الإخبار عن الحكم ، ويتميز القاضي بالإلزام والقضاء ; فهو من هذا الوجه خطره أشد