41 - قوله: (ع): حكاية عن : "وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول" . أبي نصر بن الصباغ
فيه نظر; لأنه لا يصير بذلك مجهولا إلا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم، وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم.
فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا، فمن أحاط علما بذلك لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا.
وتلك أنزل مراتب المحدث.
[ ص: 627 ] وقد بلغنا أن كثيرا من الأئمة الحفاظ امتحنوا طلبتهم المهرة (بمثل ذلك) فشهد لهم بالحفظ لما يسرعوا بالجواب عن ذلك.
وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كان ينظر إلى "كتاب العلم" ( ) فوقع في أثنائه حدثنا لأبي بكر بن أبي عاصم حدثنا الشافعي فذكر حديثا فقال: لعله سقط منه شيء، ثم التفت إلي فقال: ما تقول؟ ابن عيينة
فقلت: الإسناد متصل، وليس هذا الشافعي محمد بن إدريس الإمام بل هو ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس .
ثم استدللت على ذلك بأن معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه. ابن أبي عاصم
(ولقد كان) ظن الشيخ في السقوط قويا ، لأن مولد بعد وفاة ابن أبي عاصم بمدة . الإمام الشافعي
وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد : "إن في الثقة مصلحة" وهي امتحان الأذهان في استخراج ذلك وإلقائه إلى من يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال وفيه مفسدة من جهة أنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولا لا يعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر. تدليس الشيوخ
[ ص: 628 ] قلت: وقد نازعته في كونه يصير مجهولا عند الجميع، لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه، فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفا وهو في نفس الأمر صحيح، وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل عن رتبة من يرد خبره مطلقا إلى رتبة من يتوقف فيه، فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فمفسدته أشد، كما وقع في تكنيته لعطية العوفي ، فكان إذا حدث عنه يقول: حدثني محمد بن السائب الكلبي أبا سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الصحابي - رضي الله عنه - لأن أبو سعيد الخدري عطية كان لقيه وروى عنه .
وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ.
وأما ما عدا ذلك من تدليس الشيوخ فليس فيه مفسدة تتعلق بصحة الإسناد وسقمه، بل فيه مفسدة دينية فيما إذا كان مراد المدلس إيهام تكثير الشيوخ لما فيه من التشبيع - والله أعلم - .
ونظيره في تدليس الإسناد أن يوهم العلو وهو عنده بنزول - والله أعلم - .