وقوله - عز وجل -: اهبطوا مصرا ؛ الأكثر في القراءة إثبات الألف؛ وقد قرأ بعضهم: " اهبطوا مصر فإن لكم " ؛ بغير ألف؛ فمن قرأ: " مصرا " ؛ بالألف؛ فله وجهان: جائز أن يراد بها مصرا من الأمصار؛ لأنهم كانوا في تيه؛ وجائز أن يكون أراد " مصر " ؛ بعينها؛ فجعل " مصرا " ؛ اسما للبلد؛ فصرف لأنه مذكر؛ سمي به مذكر؛ وجائز أن يكون " مصر " ؛ بغير ألف على أنه يريد " مصرا " ؛ كما قال - عز وجل -: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ؛ وإنما لم يصرف لأنه للمدينة؛ فهو مذكر سمي به مؤنث.
وقوله - عز وجل -: وضربت عليهم الذلة والمسكنة ؛ " الذلة " : الصغار؛ و " المسكنة " : الخضوع؛ واشتقاقه من " السكون " ؛ إنما يقال: " مسكين " ؛ للذي أسكنه الفقر؛ أي: قلل حركته. وقوله - جل وعز -: وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ؛ [ ص: 145 ] يقال: " بؤت بكذا وكذا " ؛ أي: احتملته. وقوله - جل وعز -: ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ؛ معنى ذلك - والله أعلم -: الغضب حل بهم بكفرهم. وقوله - عز وجل -: ويقتلون النبيين بغير الحق ؛ القراءة المجمع عليها في " النبيين " ؛ و " الأنبياء " ؛ و " البرية " ؛ طرح الهمزة؛ وجماعة من أهل المدينة يهمزون جميع ما في القرآن من هذا؛ فيقرؤون: " النبيئين بغير حق " ؛ و " الأنبئاء " ؛ واشتقاقه من " نبأ؛ و " أنبأ " ؛ أي: أخبر؛ والأجود ترك الهمزة؛ لأن الاستعمال يوجب أن ما كان مهموزا من " فعيل " ؛ فجمعه " فعلاء " ؛ مثل: " ظريف " ؛ و " ظرفاء " ؛ و " نبيء " ؛ و " نبآء " ؛ فإذا كان من ذوات الياء؛ فجمعه " أفعلاء " ؛ نحو: " غني " ؛ و " أغنياء " ؛ و " نبي " ؛ و " أنبياء " ؛ وقد جاء " أفعلاء " ؛ في الصحيح؛ وهو قليل؛ قالوا: " خميس " ؛ و " أخمساء " ؛ و " أخمس " ؛ و " نصيب " ؛ وأنصباء " ؛ فيجوز أن يكون " نبي " ؛ من " أنبأت " ؛ مما ترك همزه لكثرة الاستعمال؛ ويجوز أن يكون من " نبأ؛ ينبؤ " ؛ إذا ارتفع؛ فيكون " فعيلا " ؛ من الرفعة؛ وقوله - عز وجل -: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم ؛ [ ص: 146 ] لا يجوز أن يكون لأحد منهم إيمان إلا مع إيمانه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ودليل ذلك قوله - عز وجل -: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نـزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم ؛ فتأويله: من آمن بالله واليوم الآخر؛ وآمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلهم أجرهم؛ وجاز أن يقال: " فلهم " ؛ لأن " من " ؛ لفظها لفظ الواحد؛ وتقع على الواحد؛ والاثنين؛ والجمع؛ والتأنيث؛ والتذكير؛ فيحمل الكلام على لفظها؛ فيوحد ويذكر؛ ويحمل على معناها فيثنى؛ ويجمع؛ ويؤنث؛ قال الشاعر:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
و " هادوا " ؛ أصله في اللغة: تابوا؛ وكذلك قوله - عز وجل -: إنا هدنا إليك ؛ أي: تبنا إليك؛ وواحد " النصارى " ؛ قيل فيه قولان: قالوا: يجوز أن يكون واحدهم " نصران " ؛ كما ترى؛ فيكون " نصران " ؛ و " نصارى " ؛ على وزن " ندمان " ؛ و " ندامى " ؛ قال الشاعر: [ ص: 147 ] فكلتاهما خرت وأسجد رأسها ... كما أسجدت نصرانة لم تحنف
ف " نصرانة " ؛ تأنيث " نصران " ؛ ويجوز أن يكون " النصارى " ؛ واحدهم " نصري " ؛ مثل: " بعير مهري " ؛ و " إبل مهارى " ؛ ومعنى " الصابئين " : الخارجين من دين إلى دين؛ يقال: " صبأ فلان - إذا خرج من دينه - يصبأ يا هذا " ؛ ويقال: " صبأت النجوم " ؛ إذا ظهرت؛ و " صبأ نابه " ؛ إذا خرج.